يأتي التحذير الذي أطلقته منظمات حقوقية مصرية ودولية عن التدهور المريع في حرية الصحافة منذ عزل الرئيس محمد مرسي, معبرا عن الوضع الذي وصل إليه حال الإعلام في مصر خلال الأيام القليلة التي تلت تنصيب رئيس جديد للبلاد. وبحسب بيان للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان, فإن عدد الاعتداءات التي طالت صحفيين أو مؤسسات إعلامية محلية وأجنبية منذ عزل مرسي, بلغ74 اعتداء شملت اعتقالات تعسفية للعديد من الصحفيين دون أمر قضائي, فضلا عن إغلاق عدد من القنوات الفضائية بينها قناة مصر25 التابعة لجماعة الإخوان المسلمين, إضافة إلي قنوات دينية أخري. المرصد عبر عن أسفه للانتكاسة التي شهدتها الحريات الإعلامية بمصر, حيث لم تدم الأجواء الإيجابية بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك وإصدار الرئيس المعزول محمد مرسي قرارا يقضي بإلغاء عقوبة الحبس الاحتياطي للإعلاميين في قضايا النشر في سبتمبر من العام الماضي, حتي عادت القبضة الأمنية. وتطرح هذه التطورات تساؤلات ملحة حول ما حدث في مصر بعد30 يونيو, كما تبرز مقارنة هامة بين تعامل الرئيس المعزول مرسي خلال العام الذي قضاه في الحكم مع وسائل الإعلام, وتلك الأحداث التي طالت حرية الإعلام خلال أيام قليلة. وكل ما يحدث يؤكد أن هناك تراجعا غير مسبوق في الحريات العامة وحرية الإعلام والصحافة بشكل خاص لم تشهده مصر في عهد مبارك. بعد أن كانت حرية الإعلام قد وصلت إلي حد كبير بعد ثورة25 يناير, حيث شهد الإعلام قفزة كبيرة من الحرية علي النحو الذي وصل إلي حد إهانة رئيس الجمهورية المنتخب عبر الكثير من الصحف والفضائيات دون أن يحاسب أحد. وما حدث خلال الأيام الماضية من تراجع لحرية الإعلام واعتقال لصحفيين وإغلاق لفضائيات هدفه تكميم أفواه الرأي الآخر وتوجيه اتهامات لم تكن موجودة إلا في عهود قمع الصحافة والصحفيين, مثل تكدير السلم العام, وهي أمور تنذر بمستقبل سيئ للحريات. وللأسف لم يتباك الإعلاميون المعروف عنهم كثرة البكاء علي الحرية أيام مرسي ولم يستنكروا ما حدث من تكميم للأفواه وإنما راحوا يبررون تلك الاجراءات التي اتخذت بإغلاق بعض القنوات واعتقال العاملين بها بأنها تأتي في سياق تدابير احترازية تتعلق بالأمن القومي, مع أن تدابير الأمن القومي مصطلح مطاط كان يستخدمه النظام السابق لقمع معارضيه من الصحفيين, وإعادة استخدامه الآن تعطي مؤشرات في غاية السلبية حول حرية الإعلام. ويمكننا القول إن ما يتعرض له الإعلام والصحافة منذ عزل مرسي بأنه كارثة, وما حدث خلال أسبوع من عزل مرسي لم يحدث طيلة عام من حكمه, فالأخير تعرض لحملة مستمرة من التشويه والسب علي صفحات الجرائد والبرامج الساخرة, وكان الرد من الرئاسة أن سحبت كل البلاغات التي قدمتها إلي القضاء لوقف السب والقذف والتشهير الذي تعرض له الرئيس المعزول. وقد عاني الإعلام خلال العامين الماضيين من حالة فوضي عارمة بسبب الانفتاح الشديد وارتفاع سقف الحرية لدرجة التجاوز في حق رأس السلطة وكانت بعض الدعاوي المقامة ضد الصحفيين عبارة عن رد فعل فقط, ولم يتخذ أي إجراء ضدهم. وقد انعكس هذا السقف المرتفع بالسلب علي مهنية بعض وسائل الإعلام التي انجرفت إلي لعب دور سياسي في المشهد المصري بلغ حد تلفيق الأخبار أو إعادة صياغتها بما يخدم توجه الوسيلة ورؤيتها للمشهد السياسي. باختصار لقد ظهرت سوءات الإعلام المصري أكثر بعد عزل الرئيس مرسي فقد عاد الإعلاميون المصريون إلي حالتهم الطبيعية, التي كانوا عليها, فهم إعلام عصر مبارك بما تحمله هذه العبارة من معان, تعلموا العمالة وتأجير أقلامهم وأصواتهم لمن يدفع أكثر, لاتهمهم أمور الوطن, ولا مصالح المصريين, وهم معزولون عن الشعب لا يشعرون أبدا بهموم الناس ومشاكلهم, فهم يعيشون في قصور ويركبون السيارات الفارهة, ولا ينتمون إلي هذا الشعب, ولذلك صمتوا عن كل ما يحدث من تعطيل للحريات وإغلاق القنوات, وحاول بعضهم إيحاد مبرر لتلك الإجراءات التي طالت الإعلام, وجاء ذلك تأكيدا لافتقار تلك الوسائل والمؤسسات إلي الموضوعية والمهنية.