جاءت التهنئة بالشهر الفضيل من داخل الوطن وخارجه, الدكتور عماد طبيب العيون الشهير في البحرين والذي درس الطب في الإسكندرية, يقول أنا وأسرتي ندعو المولي في كل صلاة أن يحمي مصر الطيبة ويحفظ أهلها الطيبين. دافيد سلوبر أستاذ التربية والذي عمل معنا في البرنامج المصري لتطوير التعليم2007/8 يقول في رسالة إلكترونية مطولة إن ماخبرته وتعلمته في بلادكم, أضاف إلي خبرتي بالأردن والضفة الغربية حين شرفت بالمساعدة في افتتاح جامعة القدس المفتوحة أيام الانتفاضة الأولي حيث تغيرت نظرتي ومفاهيمي بشكل كبير تجاه القضية الفلسطينية أتابع باهتمام من نصف الكرة الجنوبي,أستراليا, التفاعلات المتأججة في مصر, فأصلي من أجل الذين يشهدون صيام الشهر المبارك, وكل المصريين أيا كان توجههم الديني, وأدعو بأن يكون هناك مزيد من السلام والمحبة والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي,وتقبلوا تحياتي. الدكتور باولو جوستي أستاذ المواد الحيوية بجامعة بيزا بإيطاليا, والذي زارنا في جامعة الإسكندرية عدة مرات, أتمني أن يكون شهر العبادة سبيلا لروح التفاهم والمودة بين المصريين. ولكن الرسالة المثيرة جاءت بالبريد الإلكتروني من السيدة هاذار سيجويك, زميلة الدراسة قبل عدة عقود بجامعة لانكستر بالمملكة المتحدة, عاشت في كينيا بأفريقيا مع والدها, واستقر الأمر بها بين بريطانيا وجنوب أفريقيا, قالت تذكرتك لحلول شهر رمضان, وبسبب الأحداث الجارية في مصر التي أتابعها بوجل وقلق, ودعني أذكرك برسالة بعثتها لك في بداية ثورتكم منذ عامين أويزيد.. الرسالة بعث بها مناضل أفريقي إلي كل المصريين!! اقتطف منها بعض المقاطع, رغم يقيني أنها تحتاج للنشر كاملة: إخوتي في مصر, أعتذرت أولا عن الخوض في شئونكم الخاصة, لكني أحسست أن واجب النصح أولا, والوفاء ثانيا لمساندتكم لنا إبان الفصل العنصري يحتمان علي رد الجميل وإن بإبداء الرأي. ووريت عن الدنيا سبعا وعشرين عاما لأني حلمت أن أري بلادي خالية من الظلم والقهر والاستبداد لحظة الخروج من السجن كانت كثيفة علي المستوي الشخصي,إذ سأري وجوه أطفالي وأمهم بعد كل هذا الزمن, إلا أن السؤال الذي ملأ جوانحي ينما هو: كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلا؟ أكاد أحس أن هذا السؤال هو مايقلقكم اليوم فلقد خرجتم لتوكم من سجنكم الكبير, وهو سؤال قد تحدد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستنتهي إليه ثوراتكم وتذكروا أن إقامة العدل أصعب بكثير من عدم الظلم, وإحقاق الحق أصعب بكثير من إبطال الباطل أنا لا أتحدث العربية للأسف, لكن الترجمات التي تصلني تحتوي تفاصيل الجدل السياسي اليومي في مصر وتونس, وتشي بأن معظم الوقت مهدور في سب وشتم كل ما كانت له صلة تعاون مع النظام البائد, وكأن الثورة لايمكن أن تكتمل إلا بالتشفي والإقصاء, كما يبدو لي أن الاتجاه العام عندكم يميل إلي إقصاء وتبكيت كل من كانت له صلة قريبة أو بعيدة بالأنظمة السابقة. ذاك أمر خاطيء في نظري. أنا أعرف مرارات الظلم, إلا أنني أري أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة, فمؤيدو النظام السابق كانوا يسيطرون علي المال العام وعلي مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج( والإعلام من عندي) واستهدافهم قد يدفعهم إلي أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم في هذه المرحلة التي تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن, وأنتم في غني عن ذلك. أحبتي, إن أنصار النظام السابق ممسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها أو تحييدها كارثة اقتصادية أو عدم توازن أنتم في غني عنه الآن. عليكم أن تتذكروا أن اتباع النظام السابق في النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد, فاحتواؤهم ومسامحتهم هي أكبر هدية للبلاد في هذه المرحلة, ثم إنه لايمكن جمعهم ورميهم في البحر أو تحييدهم نهائيا, ثم إن لهم الحق في التعبير عن أنفسهم وهو حق ينبغي أن يكون احترامه من أبجديات مابعد الثورة. أعلم أن ممايزعجكم أن تروا ذات الوجوه التي كانت تنافق للنظام السابق تتحدث اليوم ممجدة الثورة, لكن الأسلم ألا تواجهوهم بالتبكيت إذا مجدوا الثورة, بل شجعوهم علي ذلك حتي تحيدوهم, وثقوا أن المجتمع في النهاية لن ينتخب إلا من ساهم في ميلاد حريته. إن النظر إلي المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير. أذكر جيدا أني عندما خرجت من السجن كان أكبر تحد واجهني هو أن قطاعا واسعا من السود كاوا يريدون أن يحاكموا كل من كانت له صلة بالنظام السابق, لكنني وقفت دون ذلك وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما الي الحرب الأهلية أو الي الديكتاتورية من جديد لذلك شكلت لجنة الحقيقةوالمصالحة التي جلس فيها المعتدي والمعتدي عليه وتصارحا وسامح كل منهما الآخر. إنها سياسة مرة لكنها ناجعة. أري أنكم بهذه الطريقة وأنتم أدري في النهاية ستبعثون رسائل اطمئنان إلي المجتمع الملتف حول الديكتاتوريات الأخري أن لاخوف علي مستقبلهم في ظل الديمقراطية والثورة, مما قد يجعل الكثير من المنتفعين يميلون إلي التغيير,كما قد تحجمون خوف وهلع الدكتاتوريات من طبيعة وحجم ماينتظرها. تخيلوا أننا في جنوب إفريقيا ركزنا كما تمني الكثيرون علي السخرية من البيض وتبكيتهم وإقصائهم وتقليم أظافرهم؟ لو حصل ذلك لما كانت قصة جنوب إفريقيا واحدة من أروع قصص النجاح الإنساني اليوم. أتمني أن تستحضروا قولة نبيكم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. نلسون روهلالا مانديلا هوانتون جو هانز بيرج وقفت طويلا أمام هذه الرسالة تأملتها وتساءلت: ربما احتاج الأمر إلي عامين كاملين لنقرأ الرسالة المؤرخة في18 يوليو2011, لنستوعبها في16 يونيو2013, فكم يا تري سنحتاج من الوقت حتي نعمل بها لنوقف ممارسات الاستعداء والاستعلاء والاستكبار, وننبذ حديث الإقصاء والعناد والعداء والغباء والرصاص؟ ادعو معي أن تستعيد الأمة رجاحة عقلها ونقاء قلبها. جامعة الإسكندرية رابط دائم :