أقرر أن اشتري ملابس جديدة ارتديها يوم العيد الذي دنا, فنحن في العشر الأواخر من رمضان, بعد الافطار تقودني رغبتي لموقف السيارات التي ستقلنا إلي المدينة, حيث المحلات الكبري للملابس والاحذية أقعد علي الكرسي الأمامي بجوار السائق, يتأفف السائق من حرارة الجو رغم أن صلاة العشاء قد دنت, يدير محرك السيارة لتهرول. .... بعد أول يوم أصوم فيه وأنا ابن السابعة وعدني أبي بأنه سيشتري لي جلابية كستور وكاوتش أبيض من باتا لو أكملت صيام الشهر, استطعت أن أحقق ما عجز عنه أقراني, ومن يكبرني فأتممت صيام الشهر, قدم لي أبي ما وعدني به, لبست الجلابية والكاوتش, أردت أن أنام بهما لولا أن أمي أقنعتني بأن الملابس ستكرمش وتتسخ من تراب قبة الفرن الذي أنام فوقه ليحميني من برودة الشتاء ولا يفصل بيننا سوي جلد ماعز, أكور جسدي عليه, خلعت الجلابية والكاوتش ووضعتهما جواري فوق جريدة أخذتها أمي من زوجة الأستاذ نجدي, أسلمت عيني للنوم بعدما قبلت الملابس عشر مرات.... استيقظت علي صراخ أمي منادية علي أبي. الحق يا عبده البيت غرق ميه. انتفضت من رقدتي والماء يتساقط علي جسدي, الأمطار تغمر القرية والكل يحاول إنقاذ داره من الهلاك, حملت أمي أوانيها النحاسية لسطح الدار ليضعها أبي جوار بعضها البعض, لتبلع المياه المتساقطة من السماء فوق السقف الطيني للدار المدعم بالغاب والعروق الخشبية, حاولت مساعدة أمي بنزح الماء عن الدار.. هدأت الأمطار فخارت قوتي, وبعض قوي أبي وأمي... غازلني النعاس لكني قاومته لأطمئن علي ملابس العيد, بكيت كثيرا لما رأيتها مبللة بالطين والكاوتش صار أسود اللون. يصرخ السائق في الركاب لجمع الأجرة محددا شرطه أن تكون الأجرة فكة, أخرج من جيبي أجرته وأعطيها له, لا يلتفت إلي ينادي بأعلي صوته. حد عايز محطة المدرسة؟ .... أول حصة بمدرسة الصنايع قسم خراطة, طلب منا مدرس الورشة بالطو بيج نرتديه, حتي لا تتسخ ملابس المدرسة, اشترت أمي مترين من قماش تيل ناديه وأعطته لزوجة الأستاذ نجدي لتفصله, بعد يوم واحد دخلت الورشة مرتديا البالطو, ماكينات الورشة ضخمة ممنوع الاقتراب منها أو التصوير, فهي عهدة, وإذا أصابها مكروه فسيدفع المدرس ثمنها الذي يتجاوز عشرة أضعاف ما سيتقاضاه المدرس طوال حياته, بدأ المدرس بتشغيل الماكينات وصمم المطلوب منا بنفسه, خلعت البالطو بعد انتهاء الحصة وأشحت به في الهواء, فالتهمته تروس الماكينة... يركن السائق جوار الحديقة التي بمدخل المدينة ليملأ زجاجة مياه باردة تلطف حرارة الجو, ينظر إلي زبائنه اللي عايز يشرب ينزل يشرب محدش يقول لي هات بق ميه.. .... أول يوم بعد ظهور النتيجة واعدني الأستاذ نجدي عند باب الحديقة ظهرا كي يأخذني لمدير شركته لأعمل بها, لم أكن أعرف نوعية عمل الأستاذ نجدي, كل ما تعرفه القرية أنه موظف مهم باحدي الشركات, عند خروجه يرتدي هندامه وعند عودته يحمل الجريدة تحت إبطه.... قابلني بابتسامة عريضة أحيت الأمل داخلي, جذبتني بدلته الصفراء لم أعتن بالأمر, فربما كان الزي الرسمي بالشركة هو اللون الأصفر, وقفت أمام باب المدير انتظر الأمر بالدخول, سأل أحد الموظفين عن الأستاذ نجدي قائلا: فين نجدي يا كابتن الأستاذ نجدي عند المدير. الأستاذ نجدي... ماشي لما الأستاذ نجدي يحضر قول له أعمل فنجان قهوة للأستاذ محمود مدير العلاقات العامة. عرفت وقتها عمل عمي نجدي, وافق مدير الشركة علي تعييني فني بالشركة سعدت أمي وأخرج أبي مائة من الجنيهات لاشتري ملابس جديدة أذهب بها للعمل, اشتريت الملابس من المدينة, ركبت السيارة آخذا الملابس بصدري, غلبني النعاس... عند وصولي لم أجد غير الهواء بين ذراعي... وسط زحام المدينة تستوقفني زوجتي لأحمل عنها الملابس التي اشترتها للأولاد ولها, تقول بصوت دافئ هتشتري حاجة تلبسها يوم العيد. أضع يدي بجيبي وأنظر إليها مبتسما هعيد بهدمة العيد اللي فات تصمت كأنها تقول لي كما تريد, اسير خلفها هي والأولاد حاملا الملابس الصوفية والحريرية والأحذية ذات الجلد الطبيعي... متذكرا أنني لم اشتر هدمة للعيد منذ سنوات. أيمن وهدان أسنيت كفر الشيخ