دأب النظام التركي علي إثارة الاضطرابات والقلاقل في دول الجوار, فبعد أن أعلن واعتمد سياسة صفر مشاكل مع الدول الإقليمية, ما لبث أن باشر سياسة مخالفة, فبدأت أنقرة بمشاركة حلف الناتو في تدمير ليبيا, ثم تدريب مرتزقة ما يسمي بالجيش السوري الحر لاسقاط نظام الأسد, ثم تدخلها في الشئون المصرية, في الآونة الأخيرة, ممثل في دعوة المسئولين بها لمجلس الأمن لضرورة التدخل في مصر بزعم ما تشهده البلاد من تطورات هي في الأساس داخلية بحتة. ففي مؤتمر دافوس عام2009, حيث خرج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وهو يحمل رداء المدافع الأول عن القضية الفلسطينية, و أعلن عن دبلوماسيته الجديدة المتمثلة في( صفر مشاكل) و التي سيعتمدها كمبدأ عام لسياسته الخارجية مع دول الجوار, وبين ليلة وضحاها اعتبر العالم العربي أن هذا التحول التركي بمثابة نيو لوك عثماني وتحدث البعض عن أن أردوغان هو ناصر الجديد أو ربما صلاح الدين, ولكن سرعان ما انقلب وشارك في الحرب ضد ليبيا وسوريا ثم سعيه لقلب الحقائق في مصر. حيث تمثل أول تحول تركي في الحرب علي ليبيا, حيث شاركت فيها علي الرغم من أن مبرراتها التي ساقها الغرب لم تكن إلا إدعاءات زائفة, وسمحت لقوات الناتو باستخدام أراضيها لشن عدة هجمات علي العاصمة لليبية طرابلس والعديد من المدن الأخري. وفيما يتعلق بالشأن الفلسطيني وبعد أن هدد أردوغان وتوعد واشترط علي إسرائيل تقديم اعتذار رسمي عن مقتل9 أتراك عقب اعتداء سلطات الاحتلال علي قافلة الحرية لفك حصار غزة في نهاية شهر مايو عام2010, وهو الاعتذار الذي لم يحدث حتي اليوم, حبس العالم أنفاسة ترقبا لرد فعل أردوغان, وأخذ الجميع يتساءل ماذا سيفعل؟.. لا شيء, واكتشف العالم العربي أن زئير أردوغان ما هو إلا مواء وخداع. وبعد أن اتهمت تركيا إسرائيل في يونيو2011 بأن هجومها علي قافلة( الحرية2) كان متعمدا, عادت أخيرا لتصفه بأنه كان من قبيل الخطأ غير المقصود, وهو ما اعتبره الشعب التركي تخليا عن مساندة الشعب الفلسطيني وقضيته, وتمثل التنازل الثاني في تراجع أردوغان عن شرط فك الحصار عن غزة قبل عودة العلاقات الثنائية بين البلدين, وهو الأمر الذي لم يحدث حتي الآن, مما دفع كبير مستشاري رئيس الوزراء التركي إبراهيم كالين إلي القول بأن تركيا أخذت وعدا من إسرائيل بفك الحصار, كي يفند نيتانياهو ذلك قائلا إن الأحداث الإقليمية هي التي تحدد سياسة بلاده وتوجهاتها وليس أي دولة أخري في المنطقة, مما أفقد الحكومة التركية هيبتها أمام الشعب. وعن العلاقات التركية السورية, كشفت قناة فرانس24 عن أن الأتراك غير راضين عن سياسة أردوغان تجاه سوريا الأسد, وزاد استياؤهم هذا منذ اندلاع تفجيرات الريحانية في11 مايو الماضي, والتي أصرت الحكومة التركية علي أن تحمل دمشق مسئوليتها, في حين كشفت التحقيقات عن تورط تسعة أتراك في هذه التفجيرات, ولم يكتف أردوغان بذلك بل دفع باتجاه تسليح المعارضة السورية, حتي كتب له ما أراد. كما سمحت أنقرة للقوات الأمريكية والفرنسية بتدريب مرتزقة الجيش الحر علي اراضيها وبالتحديد في مدينة أنطاكيا بجنوب تركيا. كما أشارت صحيفة( لوكانار انشان) الفرنسية في30 نوفمبر2011 إلي أنه علي الرغم من التحالف الذي كان قائما لتوه بين تركيا و سوريا وإيران, إلا أن أنقرة حرصت علي المشاركة في الحرب ضد دمشق وإشعال الفتن بها, وذلك كي تبلغ الغرب انها تركيا مازالت علي عداء مع سوريا وإيران وحزب الله اللبناني وأنها مستعدة لإقصائهم ومساعدة الغرب في ذلك. وفيما يتعلق بمصر, فما أن تولي الرئيس مرسي المعزول الحكم حتي صرح أردوغان أنه يجب علي الجيش تخفيض ميزانيته, في تعد سافر علي مصر, ولكن يبدو أن المسئولين الأتراك لم ينسوا لمصر انها لم تمكن أردوغان من الظهور الذي كان ينشده خلال العدوان الإسرائيلي علي غزة, حيث يشير جون لوي دوفور المستشار العسكري وأحد قادة الجيش الفرنسي, إلي أن زيارة أردوغان للقاهرة في17 نوفمبر الماضي, والتي تزامنت مع الاعتداء, تكشف عن سعي أردوغان ورغبته في أن ينسب إليه الفضل في وقف اطلاق النار بين حماس وإسرائيل, ولكن نسي أردوغان, علي حد قول دوفور أنه علي الرغم من ضعف مصر الحالي, إلا أن ثقلها الجيوبوليتيكي والتاريخي سيظل كلاهما الفيصل في حل تلك القضايا الإقليمية. تقمص أردوغان العديد من الأدوار في تعامله مع دول الجوار, فقد أدي دور المصلح ثم المعارض فالحراب العدواني, وبدلا من( صفر مشاكل) سار علي مبدأ أنه لا يوجد صداقات بين الدول. وكل ذلك بهدف كسب ود الغرب الذي يتعامل معه من منطلق مقولة الأديب الفرنسي فولتير: اعمل من أجل ملك بروسيا, بمعني أن الغرب يستخدم تركيا دون أن يعطيها أي مقابل وأنه الغرب- في حاجة لفضائها وموقعها الاستراتيجي مثلما استخدمها خلال الأزمة الكوبية لنشر صواريخ علي أراضيها لمواجهة الاتحاد السوفيتي السابق. ان سياسة تركيا تجاه الدول العربية لا تتغير وأحد أهم ثوابتها ارتداء الأقنعة.