قبل وقت طويل من نشر تقرير بالمر، مع التسريبات الاولى المتعلقة بمضمونه جرى الكشف عن السبب الحقيقي لطلب تركيا الى اسرائيل الاعتذار ومنع نشر الاستنتاجات. فقد كان واضحا آنذاك ان تقرير بالمر يقبل على نحو قاطع دعوى اسرائيل المتعلقة بقانونية الحصار البحري على القطاع، بل يقضي بان تركيا لم تفعل ما يكفي لمنع خروج النشطاء المتطرفين على متن سفينة مرمرة. وأدرك الاتراك انه لن يكون احتمال بعد النشر باستصدار اعتذار من اسرائيل، وبدأوا هجوما سياسيا. وقد ثبتت اسرائيل للضغط وهذا سيء حسن. فلم يكن سبب يدعو الى الاعتذار. يستطيع الاتراك ان يكتفوا بتفضل لجنة بالمر عليهم حينما تجاهلت علاقة الحكومة بمنظمة IHH ، وتجاهلت اكثر من ذلك المساعدة التي منحتها المنظمة لانتخاب اردوغان. ومع ذلك فان الاستنتاج النهائي واضح: فالتقرير برغم انتقاد ما على عمل الجيش الاسرائيلي، يقبل الموقف الاسرائيلي. ويصعب ان نبين مبلغ كبر الاذلال في التقرير لانقرة. فقد زعمت تركيا في الاشهر الاخيرة في كل منتدى ان اسرائيل نقضت القانون الدولي، فليس من المفاجىء حيال الضربة التي تلقتها ان يقرر اردوغان ان يعلن بان سفيرنا في أنقرة شخصية غير مرغوب فيها. ثمّ من زعموا أنه برغم الموقف الاسرائيلي العادل يفضل انهاء الازمة باعتذار ولو من أجل المصالح الجغرافية السياسية. والحديث عن خطأ شديد. فالاعتذار ما كان لينهي الازمة. فقد طلبت تركيا ازالة الحصار عن قطاع غزة وهي خطوة كانت ستمنح اردوغان مكانة زعيم العالم العربي، على حساب مواطني اسرائيل الذين سيجدون أنفسهم تحت تهديد صواريخ وعمليات اكبر. ومن زعموا صبح مساء ان على اسرائيل الاستخذاء للاتراك هم الذين ساعدوا أنقرة على تسلق شجرة عالية ليس لها الان سبيل للنزول عنها. في خطاب الشرق الاوسط، طريقة تحسين العلاقات بتركيا تبدأ بجباية ثمن دبلوماسي باهظ عن الفعل التركي. يجب على اسرائيل أن تهاجم تقرير بالمر لانه خفف مسؤولية تركيا عن ازمة القافلة البحرية، وان تكشف للعالم عن الدور السلبي الذي تؤديه حكومة اردوغان في الشرق الاوسط. وعلينا أن نبين ان تركيا ليست عامل استقرار وجزءا لحل المشكلات في المنطقة بل هي عنصر قلقلة وتثوير. إن اعادة السفير الاسرائيلي من أنقرة قد يضر بتركيا خاصة. فعلى اردوغان ان يتعلم من تجربة عُمان والمغرب اللتين استبقتا مؤتمرات دولية وزعماء من العالم كله في التسعينيات لكن قطع علاقاتهما باسرائيل في سنة 2000 أفضى الى اختفائهما عن الخريطة الدبلوماسية الدولية. وكذلك تركيا ايضا التي كانت دولة مركزية في الماضي، وسيطرت عليها مذهب متطرف غير مسؤول. ان تركيا فضلا عن أنها فشلت في محاولتها الانضمام الى اوروبا قد ابتعدت بخطواتها الاخيرة عن الدول المسلمة المعتدلة. وتوجد في نفس المجموعة المتطرفة مع ايران وسوريا وحزب الله وحماس. فضعضعة العلاقات باسرائيل تشبه الاعتراف العلني بهذا. لا يوجد لاراء أنقرة اليوم أي وزن في مصر وتونس والاردن فضلا عن دول الخليج. والعالم العربي المتجدد يرى اردوغان زعيما ذا نزوات من قبيل القذافي. ان فقدان الحلف مع سوريا وضعف هذه الاخيرة قد يجعلان الاكراد المهملين يستيقظون ويضطران تركيا الى مواجهة مشكلاتها الداخلية قبل ان تستطيع الاستمرار على اثارة الشغب. يجب على اسرائيل أن تنتقل عن سياسة تلقي الضرب الى الهجوم باستعمال ضغط دبلوماسي على تركيا. وفي حين ان اكثر الاشياء طبيعية بالنسبة لنا نحن الاسرائيليين ان ننتظر حتى يمر الغضب وحتى تفهم تركيا بنفسها فان الخطاب الاقليمي يتم على نحو آخر. ان تحسين العلاقات بتركيا سيبدأ فقط بعد أن تدرك هذه ان الازمة الحالية تجبي منها ثمنا باهظا في الصعيد الدولي وتحكم عليها بالعزلة وكونها غير ذات صلة في الساحة الاقليمية. وفي الخلاصة ألقى تقرير بالمر الضوء على المكان المتطرف المعزول الذي قاد اردوغان تركيا اليه. واستمرار الضغط الدبلوماسي فقط على أنقرة سيؤدي الى تغيير السياسة والى اصلاح العلاقات باسرائيل في الامد البعيد ايضا. المصدر : القدس العربى