ليس غريبا أن تشهد كثير من المساجد أمس اشتباكات بين خطباء الجمعة والمصلين سواء كانت نتيجة دعاء بعض الخطباء علي من قاموا بثورة30 يونيو وتوجيه اتهامات للجيش. أو قيام آخرين بتكفير من استجاب لإرادة الشعب وحماها أو الدعاء علي من أساءوا للدين وشوهوا صورته وخدعوا الناس باسمه وتاجروا بفضائله للوصول إلي السلطة. فقد زاد السياسيون المتاجرون بالدين وهذا جعل المساجد تتحمل ضريبة هذه التجارة غير المشروعة خاصة من جانب الإخوان المسلمين وأتباعهم وأحلافهم الذين لم يحافظوا علي حرمة المساجد وأبعدوها بفعل سياسي فاضح عن وقارها وسكينتها ورحمتها ورفعوا علي منابرها أصوات الخصام السياسي والتخاصم في الفتاوي والتشاجر علي غنائم السلطة والتنازع علي حصانة السلطان وجعلوا من استقامة صفوف مصليها وسيلة للعراك والقتال, بل واستخدموا المساجد في التجهيز للغزوات وحشد الأسلحة وإخفائها أحيانا والمناورة باعتلاء أسطحها لضرب المنافسين ثم الاختباء فإذا جاء من يحاول الإمساك بالمتهمين صرخوا وتصارخوا بالاعتداء علي بيوت الله وحصارها وضرب المصلين وهم راكعين وساجدين. لقد تحولت المساجد إلي سوق للمواقف السياسية وليس لتباين الرؤي والأحكام الفقهية في وضع خطير جدا يفوق في خطورته مولوتوف النزاع السياسي ذاته, إذ أن كل فريق أو جماعة يري ببساطة أن موقفه يمثل صحيح الإسلام وأن غيره من الخوارج علي شرع الله, وبالتالي تحولت المساجد إلي ساحة للملاكمة بالدعاء والمبارزة بالفتاوي والأحكام بين خصوم السياسة وفرقاء السلطة. وهذا يعيدنا إلي الصورة التي كانت عليها بعض المساجد في الثمانينيات عندما كانت خارج سيطرة الأوقاف وهو ما كان يسمي بمساجد' السنية والمجاهدين' والتي أدخلت مصر في فتنة بلا حدود وشوهت صورة الإسلام السمحة وألصقت به تهمة القتل والإرهاب بدعوي تغيير المنكر باليد, وهو ما يكاد يقترب من الصورة الحالية للصدام السياسي بالمساجد بعد أن صور بعض الكاذبين والأفاكين والمتاجرين بالدين الرفض الشعبي لسياساتهم وهزيمتهم بالضربة الشعبية القاضية علي أنها حرب ضد الإسلام وهو الأمر الذي ينذر بخطر تحول المساجد إلي أماكن للمنازعات السياسية والعراك والصراخ لشخص مؤمن دون آخر يدعون أنه كافر ومنافق, ولحزب يرفع اسم الله ولو زيفا ويتاجر بالدين زورا دون حزب يتعامل مع السياسة علي أسسها دون مكياج ديني زائف وهذا الوضع جعل المساجد تفقد مثالية واعتدال وسماحة كونها بيوت يذكر فيها اسم الله ويجد فيها الباحثون عن صلاح القلوب والأنفس كل الرحابة والسعة. وما أتمناه أن يتم تجريد المسجد من خدمة السياسة ونظمها الحاكمة والمعارضة ومن الدعاء للحاكم والدعاء علي المحكوم فنبعدها بقدسية عن المنازعات إلا من محاولة للم الشمل والمصالحة وهي رسالة لايختلف عليها اثنان, أما غير ذلك فسوف يعيد المساجد مرة أخري إلي سيطرة وسلطة الإرهاب. [email protected] رابط دائم :