لا يستطيع أحد أن ينكر أن السبب الرئيسي في قيام الثورة المصرية الثانية في30 يونيو أنها كانت ترتكز بشكل أساسي علي فشل النظام الحاكم في عدم قدرته علي استيعاب المستجدات من حوله. وإخفاقه في تدعيم محور الارتكاز الذي يستند عليه في شرعيته والتي تعتمد بالدرجة الأولي في احتواء الدائرة الأولي والتي تحدثت عنها في هذا المكان من قبل والتي تتمحور حول مثلث متساوي الأضلاع قاعدته المواطن القوي وضلعان يتمثلان في الحكم الرشيد والوطن القوي ومن خلال هذه العلاقة المتواصلة والمتصلة تستطيع أن تصنع أمة قوية قادرة علي حماية شعبها ونظامها السياسي ووطنها الذي تدفع به إلي التقدم والازدهار في وجود احترام متبادل وشراكة حقيقية تحترم العلاقة بين الحاكم والمحكوم والوطن بعدها يمكن الانطلاق إلي الجار منها إلي المحيط الاقليمي والدولي. فوجود المواطن المصري القوي الذي جعله يتمكن من استيعاب الصدمة التي لم تتحقق فيها آماله بعد التجربة الأولي التي خاضها الشعب المصري في ثورته الأولي في25 يناير2011 م بصفته يمثل قاعدة المثلث هو الذي دفع الشعب إلي الخروج مرة أخري في ثورته الثانية في30 يونيو يطالب من انتخبه في السلطة أن يخرج علي الشعب ليعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة بعد أن فقد الشعب الثقة فيه وفي حكومته فانتقلت شرعية الصندوق إلي شرعية الشارع والتي كان يجب علي الجميع بشكل عام والنظام بشكل خاص استيعاب هذه الهبة الشعبية العاتية التي خرجت بعشرات الملايين للجمع بين شرعية الصندوق وشرعية الشارع. ولكن كان رد فعل الحاكم والذي يمثل واحدا من ضلعي المثلث في استقرار البلاد بطيئا وسلبيا وغير مسئول بل ومنكرا ومستهزئا لوجود مظاهرات مع إهمال متعمد لنصائح القيادة العسكرية التي طالبته مرارا وتكرارا بأخذ هذه الهبة الشعبية علي محمل الجد حتي لا تتطور الأوضاع إلي الأسوأ عوضا عن رد فعل مواليه الذي كان يتميز دائما بالخشونة والجفاء والاستعلاء لاستفزاز مشاعر المصريين وتقسيمهم علي أساس طائفي تماشيا مع الشرق الأوسط الكبير والذي يدخل المسلمين سنة وشيعة في حرب طاحنة بعد أن سلموا عقولهم للآخرين ولم يأخذوا تعاليم الإسلام علي محمل الجد والقادر علي تجميع كل المسلمين من خلال منهج النبوة وليس مناهج الآخرين. فكان من النتائج المترتبة علي هذه المعطيات التراكمية افتعال أزمات متتالية مع مؤسسات الدولة السبعة السيادية الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والثقافة والفن بالاضافة إلي المؤسسة الدينية بدعوي تطهيرها ومحاصرة المحكمة الدستورية العليا إيذانا بنهاية دولة القانون مما أربك المشهد المصري علي جميع المستويات وأدخل البلاد في نفق مظلم مع ازدياد دائرة الشك واتساع دائرة انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم ففشل النظام فشلا ذريعا في جمع المصريين علي كلمة سواء. وظهرت أعراض هذا الانقسام الحاد والذي تحول بفعل النظام إلي انقسام مزمن مع تراكم الأخطاء في غياب المراجعة وعدم القدرة علي تقييم الأوضاع بعد أن تفشي مرض الثقة بالنفس فتحول إلي عقيدة ومع طول الفترة الزمنية تعقدت الأمور وظهرت توابعه في سلسلة مظاهرات ترفع صوتها عاليا وتقدم مطالبها علي رؤوس الأشهاد بسرعة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد أن فقدت الثقة في النظام الحاكم لعله يسمعها هو وأتباعه الذين غضوا الطرف وصموا الأذن عن سماع صوت الشعب الذي أوصلهم إلي السلطة. وازدادت حدة الأزمة وتفاقمت وكادت تخرج عن مسارها السلمي المعتاد بعد زيادة حدة الاحتقان واتساع الفجوة في فقدان الثقة في النظام الحاكم فكانت الهزات الارتدادية التي هزت بقوة كل أركان البلاد من أقصاها إلي أقصاها والتي تعامي عنها النظام ولم يهتم بها وأغمض عينيه عنها فإذا بها تفاجئه بحشد جماهيري ضخم وغير مسبوق وشلالات بشرية هائلة وهادرة من كل مكان وتسونامي بشري لم يشهد له التاريخ مثيلا فيمتد علي طول وعرض البلاد في سابقة لم تحدث في البشرية من قبل فتقتلع النظام من جذوره وبعد أن أدرك الجيش المصري العظيم المخاطر الجمة التي يمكن أن تتعرض لها البلاد إذا لم يتدخل في اللحظة الفاصلة والحاسمة من عمر البلاد فانحاز لإرادة الشعب المصري وطموحاته كما انحاز من قبل فخلع أحد أبنائه فلا عزة لأحد في هذا البلد إلا لمصر وشعبها المؤمن الصابر. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :