إذا كان الانقسام قد أصبح قدرا مكتوبا علي المصريين في غياب المصلحة العامة التي من المفروض أن تجبر الجميع علي الانصياع لإرادة الشعب والحفاظ علي ما تبقي من شعرة معاوية بين النظام الحاكم ومعارضيه. من أجل الحفاظ علي مكونات الدولة ومؤسساتها السيادية التي أنكرها الجميع من أنصار الدولة المدنية وأنصار الدولة الدينية الذين لم يدركوا أهمية وجود حد فاصل وواضح وصريح بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة حتي لو أدي ذلك إلي الإعلاء من مكانة المصلحة العامة علي ما عداها في وجود حدود فاصلة بين الدولة المدنية والدولة الدينية والذي يتمحور بالدرجة الأولي حول أهمية الحوار ودفع الرأي والأفكار إلي الأمام من أجل حلحلة الأوضاع الراهنة ولو بشكل مؤقت والذي يقوي من مكانة الإثنين أو يضعفهما في نفوس الناس. فمؤيدو الدولة المدنية يعتبرون أنفسهم المعبر الوحيد عنها وأنهم قد أخذوا توكيلا حصريا لها باسمها وعنوانها والتي تعتمد بالدرجة الأولي علي طرح أفكار بشرية تتحكم في تسيير أمور الحياة دون الأخذ في الاعتبار الأهواء والمصالح الشخصية التي تسيطر علي وضع قوانين بشرية تأخذ في الاعتبار تغليب مصالح مجموعة من الأفراد علي حساب مصالح مجموعات أخري دون وضع ضوابط محكمة تحكم بين الأقوال والأفعال مع السعي الحثيث إلي تغيب الإسلام عن المشهد مع أنه مكون حضاري يحتوي عقيدة الأمة ويضمن للجميع أن يعيشوا في أمن وأمان وسلام ورخاء خاصة إذا كان علي منهج النبوة وكان هو الحكم في القول والفعل والتقرير وليس منهج أشخاص وهؤلاء قد أخطأوا عندما اعتقدوا أنهم علي حق وغيرهم علي باطل وأنهم يستطيعون تنحية الإسلام جانبا عن المشهد فهم يعتبرون أنفسهم متبوعين وليسوا بتابعين. أما مؤيدو الدولة الدينية مع العلم أنه لا توجد دولة دينية في الإسلام فقد فشلوا فشلا ذريعا في التعبير عن قيم وأخلاق وسلوك الإسلام بعد أن اعتقدوا أنهم قد أخذوا توكيلا حصريا للحديث بإسم الإسلام الذي لا يملكه إلا الله سبحانه وتعالي وعلي هذا المعيار اعتقدوا أنهم علي صواب دائما وغيرهم علي باطل وعليه فإنهم متبوعون وليسوا بتابعين وهذا عين الخطأ فلا يمكن لشخص عاقل مهما أوتي من علم مدني أو علم ديني أن يصل به الحال إلي هذا المستوي من التفكير لأن الطبيعي أن يظل الانسان إنسانا يعتريه الخطأ والنسيان فحملوا الإسلام أخطاءهم وخطاياهم بل وأدي حلمهم في الوصول إلي كرسي السلطة إلي ضياع إسلامهم قبل أن يصلوا إليه فجروا علي أنفسهم التهلكة وعلي بلادهم الانقسام بالرغم من أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم. ومن هنا نجد أن أنصار الدولة المدنية فهموها بشكل خاطئ فلا يمكن فصل مدنية الدولة عن قيم وسلوك الناس التي لها معيار واحد ينبثق من حقيقة الإيمان الذي يضع الانسان علي جادة الطريق فيحيي في داخله مفتاح الحياة المنبثق عن الضمير الذي يجعل من الانسان رقيبا دائما علي نفسه ويقوي من هذه الرقابة لنفسه ورقابة الآخرين في الأجهزة الرقابية الأخري التي تضع النقاط علي الحروف فلا وساطة ولا محسوبية إنما عدالة ومساواة وشفافية. أما أنصار الدولة الدينية فقد فهموها أيضا بشكل خاطئ فلا صكوك للغفران في الإسلام يوزعها البعض من أجل السيطرة علي عقول الناس ولو كان هؤلاء فعلا من أنصار الإسلام ويدعون إليه بإخلاص وتجرد دون لف أو دوران لاستمعوا إلي انتقاد الناس لهم ولتصرفاتهم وحافظوا علي البقية الباقية من إسلامهم وأعادوا الثقة للناس في إسلامهم ولو حسنت نياتهم ما حدث هذا الاستقطاب بين الناس والذي وصل إلي حد التنابذ بالألقاب والعنف والتقاتل بالجوارح وكان عليهم أن يعاملوا معارضيهم بقيم وأخلاق وسلوك الإسلام وليس بسلوك معارضيهم مع أن الجميع ينتمون إلي مصر وإلي الإسلام ولكن الجميع أصبحوا في الهم سواء لا يمكن أن تفرق بين من يدعي تمسكه بالإسلام أو من يدعي التحفظ عليه. إن إنقسام الأمة بين أدعياء الدولة الدينية وأدعياء الدولة المدنية هو انقسام غير محمود ويؤكد بما لا يدع مجال للشك أنهما لم يفهموا بشكل صحيح أهمية وجود دولة مدنية تحميها وتحافظ عليها قيم وسلوك الإسلام فهم ليسوا علي شيء فأصحاب الدولة الدينية والدولة المدنية ليسوا مخلصين لها إلا بقدر ما تحقق لهم من مصالح شخصية في السلطة والمال مع أنهم يدعون الناس إلي التجرد والاخلاص في القول والعمل والإيثار والتضحية من أجل الآخرين فهم أولي بدعوتهم هذه أنفسهم التي ابتعدت عن قيم وتعاليم الإسلام وسلوكه القويم والحفاظ علي وحدة الوطن ووجوده ولو كانوا كذلك ما حدث هذا الانقسام الذي لا يقره خلق ولا عقل ولا دين. إن الثورة المصرية قامت من أجل الحفاظ علي المصلحة العامة وحفظ دماء المصريين وأموالهم وأعراضهم وليس بإدخال البلاد في دوامة من الفوضي والعنف والعنف المضاد وإراقة الدماء من أجل الاستيلاء علي الثورة من كل الأطراف لأن الجميع سيصاب بخسارة فادحة والتي ستترك آثارا سلبية مروعة علي وجه مصر الحزين بل والسعي بجدية إلي تفريغ قيم الثورة من مضمونها وفرض الرأي علي الآخر بالتكبر والاستعلاء أو استخدام القوة والعنف من أجل إقامة نظام مستبد وفاش وتحت غطاء ديمقراطي كاذب يتسم بالغموض فكل هذه المعطيات تحتم المسارعة إلي الخروج من المأزق الراهن حتي ولو أدي ذلك إلي دعوة الشعب إلي الاستفتاء علي انتخابات رئاسية مبكرة شريطة ألا ينافس عليها أي من المرشحين السابقين بل يكون المرشحون من المستقلين الذين يتفق عليهم الجميع من خلال آلية معينة تحافظ علي الوطن وتمنعه من الوقوع في الفوضي والإنفلات. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :