جرت الانتخابات الرئاسية الإيرانية يوم الجمعة الماضي وحظيت تلك الانتخابات بالترقب, لأنها تأتي بعد انتخابات عام2009 والاحتجاجات التي قادتها المعارضة الإيرانية بحجة تزوير الأصوات. والجدال العنيف الذي ثار في الغرب هل كان علي الرئيس أوباما اقتناص الفرصة التاريخية وتقديم دعم أقوي وفعال للمعارضة لإضعاف النظام الإيراني وبرنامجه النووي. وأتاحت احتجاجات2009 تشكيك الغرب في الشرعية السياسية للنظام الايراني برمته, مما حدا بإدارة أوباما منذ أيام إلي رفع عقوبات كانت مفروضة علي شركات تريد بيع هواتف محمولة وحواسيب نقالة وبرامج تشفير وغيرها من التقنيات إلي عامة الإيرانيين, وجعلت القيادة الإيرانية تعتبر التصويت في انتخابات الرئاسة بمثابة رد وتحد علي الغرب بل اعتبار ذهاب الناس للتصويت بكثافة بمثابة تصويت علي الشرعية السياسية للنظام. وكانت المفاجأة هي فوز الشيخ حسن روحاني برئاسة الجمهورية من الجولة الأولي والرجل حظي بدعم تحالف الرئيسين السابقين خاتمي الإصلاحي ورفسنجاني المعتدل رغم أن الاستطلاعات كانت ترجح فوز باقر قاليباف عمدة طهران الذي تعرض لانتقادات المعارضة التي رأت في أساليبه عندما كان قائدا للشرطة نوعا من القسوة والتجاوز, ودوره أيضا في إخماد الاحتجاجات الواسعة التي عمت إيران في عام2009. ماذا يعني فوز روحاني؟ هل هو فوز للإصلاحيين. وهزيمة للمحافظين يمكن قول ذلك. فهو ابن الثورة الإيرانية وهو من المحافظين حصل علي الماجستير والدكتوراة في بريطانيا ولم يكن خيار الإصلاحيين بل أن خيارهم كان محمد رضا عارف نائب الرئيس خاتمي السابق وقد رشح الإصلاحيون محمد رضا عارف نائب خاتمي السابق ولما ثبت ضعف شخصية عارف اتجهوا إلي تأييد الشيخ حسن روحاني,(64 عاما) وهو عضو سابق في البرلمان الإيراني كما عمل ممثلا لمجلس الخبراء وعضوا في مجلس تشخيص مصلحة النظام والأمين السابق للمجلس الأعلي للأمن القومي الإيراني لأكثر من16 عاما. إضافة إلي ذلك كان روحاني يشغل منصب رئيس المركز الاستراتيجي لمجمع تشخيص مصلحة النظام ومن ثم فهو في مرتبة وسطي ملائمة للجميع للإصلاحيين والمعتدلين ولا يغضب المحافظين وقد ارتبط إسم روحاني بالملف النووي الإيراني وهو مقرب من هاشمي رفسنجاني وشديد القرب من التشكيلات الدينية الأصولية وهي جمعية رجال الدين المناضلين. فالرجل تم اختياره لتخليص إيران من المعضلة النووية, فأثناء مناظرة رئاسية أجريت مؤخرا, انتقد المفاوض النووي الحالي سعيد جليلي, رئيس المفاوضين السابق في عهد الرئيس محمد خاتمي حسن روحاني لعدم إبدائه موقفا قويا حيال هذه المسألة. وأكد روحاني أنه خلال مدته في المنصب, تمكن برنامج إيران النووي من تحقيق تقدم دون إثارة مخاطر صدور قرارات من الأممالمتحدة ضد النظام. بيد أن جليلي قال إن روحاني تجنب العقوبات علي حساب إيقاف تخصيب اليورانيوم وعجز عن المقاومة. وهذا التحول من سياسة نووية أقل مقاومة إلي نهج عدم التنازل بيد أن هذا النهج رفضه الإيرانيون واختاروا نهج روحاني, الذي جاء اختياره مرونة في الملف النووي الإيراني. وأن المرشد الأعلي يرغب في إبرام اتفاق مع الغرب وأقول ذلك ليس لأن روحاني قادر علي إبرام أي اتفاق من تلقاء نفسه إذ كان يتحتم أن يحظي أي اتفاق يمكنه التوصل إليه بقبول المرشد الأعلي ولكن لأنه يعني أن المرشد الأعلي مهتم بالتوصل إلي اتفاق, ويرغب في إيجاد صورة بالقبول الواسع لها مسبقا. وبدلا من وضع بصمته عليها فقط, فهو يرغب في توسيع دائرة صنع القرار لتقاسم المسئولية. كما سيمهد الطريق من خلال وجود شخص مثل روحاني يترأس مجموعة من شأنها إيضاح الأمور بشكل مفصل للتوصل إلي تفاهم. إن تاريخ روحاني كمفاوض سابق ذي تعليم مدني يقيم علاقات مع النخبة بشكل عام, سوف يصب في صالحه للاضطلاع بهذا الدور, وروحاني قدم برنامجا اقتصاديا معقولا في ظروف اشتداد العقوبات الاقتصادية علي إيران حيث انخفضت صادرات النفط في الأشهر الأخيرة إلي نحو خمسين بالمئة, فقد فقدت العملة الوطنية الريال خلال عام واحد نصف قيمتها. ولا توجد عمليا علاقات مصرفية مع الخارج, مما يحول دون وصول النقد الأجنبي إلي إيران. كما تحتل إيران اليوم المركز الثالث علي قائمة الدول العشر التي تعاني أعلي معدلات تضخم في العالم,: ارتفع التضخم في نهاية عام2012 إلي27 في المئة, وانخفض الناتج المحلي الاجمالي الإيراني في نفس السنة بنسبة104 في المئة, ومن المتوقع أن يواصل انخفاضه هذا العام بنسبة103 في المئة, وكل هذا يعرض النظام إلي مخاطر وقوع اضطرابات اجتماعية. وانتخاب حسن روحاني يمكن أن يحل تلك الاشكالية المرتبطة بالأساس بالمعضلة النووية. لا تغيير دراماتيكي ولكن أسلوب أكثر نعومة وأكثر سلاسة وأكثر مرونة ولكن الثوابت الأساسية باقية بدون تغيير. خبير في الشئون السياسية والاستراتيجية رابط دائم :