وضعت سمر يديها علي جنبها تتحسس الألم الذي مازالت تئن منه منذ ليلة أمس, وامتدت أصابعها تطول باقي جيدها, وأسفل أذنها اليسري التي كانت تشعر أنها قد خلعت من مكانها, ولصقت مرة أخري في وجهها, وفجأة صدرت منها صرخة عالية من شدة الألم بعد أن تحركت قدماها بسرعة وهي تغادر الفراش وكأن أنياب وحش مفترس نهشت القدمين دون رحمة, وأخيرا وقفت سمر علي قدميها وأدارت عينيها في بيتها تتفرس الأشياء وكأنها تراها لأول مرة, والأوجاع تجتاح كل بدنها, وشعرت أنها خرجت للتو من تحت عجلات سيارة دهستها أكثر من مرة, لكنها لم تمت وإن كانت تتمني ذلك بسبب الجحيم الذي تحيا فيه منذ أشهر من دون انقطاع مع زوجها الذي أصبح وجبته اليومية التي لا ينقطع عنها هي الاعتداء عليها بالضرب والسب علي أتفه الأسباب. عادت سمر تنظر حولها من جديد وزاد من ألمها المستوي المعيشي المتواضع من أثاث ضاعت ملامحه من حولها دون تصليح, وانمحت ألوانه وتناثرت فوقه الملابس المهلهلة التي تخص زوجها العامل بمطعم الفول والطعمية بمدينة السلام. وما أن دفعت ذاكرتها بصورة أحمد زوجها حتي زادت ضربات القلب وتسلل العبوس إلي الوجه, وتعكر مزاجها من جديد, وشعرت بالشفقة علي حالها وما آلت إليه, وتسارعت إلي مخيلتها وقائع منذ أن تعرفت علي زوجها الذي استقبلت أذنيها كلماته الحارة والجذابة منذ7 أشهر داخل مطعم الفول الذي يعمل به, ولم يطل الوقت كثيرا حتي شعرت أخيرا أنها قد تجد ضالتها مع هذا العامل الذي يعرف الأهالي عنه طيبته. تذكرت سمر كيف مرت عليها الأيام سوداء يأكلها القلق, وهي تراود نفسها هل تقبل الارتباط بالعامل وتمضي أوراق الزواج العرفي كما ألح العامل خوفا من معرفة أهله بالصعيد بارتباطه بمن يزيد عمرها علي سنه نحو ست سنوات كاملة. عضت سمر شفتيها وهي تلعن نفسها وتتذكر موافقتها علي ما أراده الزوج والارتباط بأوراق زواج عرفية, واشترطت سمر عليه ألا يمنعها من العمل لتشارك معه في ميزانية بيتها بمدينة السلام, ووافق أحمد في بادئ الأمر, لكنه لحس وعوده ومنعها من مغادرة الشقة ونشب بينهما عراكا لا تنسي فصوله بعد أول أسبوع من الزوج, لكن سمر أصرت علي الخروج فعرف وجهاها معني البوكس والضربات التي كانت تسمع عنها, وأصبح الأزرق والأحمر هما ما يتلون به جسدها عقب كل نقاش أو أمر لا يتم التفاهم والاتفاق عليه. أيام وليال تحملت فيها سمر ما كان يصل إليها من همسات الجيران بالعقار, والنسوة اللاتي تصطدم بهن في السوق التي لم يكن مسموحا لها بأن تتجه إليها إذا غادرت منزلها. الدماء في الفم من الضربات كانت لغة العامل إذا طال النقاش والإصرار علي طلب العمل مثل باقي النسوة, لكن أحمد كانت حجته المرفوعة دائما وبأعلي صوت أنه لا يثق في النساء, ويكفي أنه لولا لسانه المعسول ما أصبح لها بيتا يأويها, كانت هذه الكلمات ترمي سمر. دائما في بحر من الحيرة والتيه لا تصل فيه إلي خلاص حاولت سمر في هذه اللحظة طرد ذكريات زوجها القاسي الذي غادر المنزل منذ الصباح الباكر إلي المطعم كعادته. واتجهت تدس قدميها في حذائها المطلة منه أصابعها لتذهب إلي السوق بالجنيهات القليلة لشراء أي من الخضر تصنع بها طبيخا تخرس به لسان الزوج المتحدث بيديه ولكماته قبل لسانه دائما, ووضعت سحر يديها علي مقبض الباب تسحبه للخروج, لكن الباب لم يستجب لم يطل التفكير بها طويلا, وتأكدت من غلق الباب بالمفتاح فعادت تبحث عنه في كل مكان دون جدوي تسرب إلي ذهنها القلق والريبة, وقفز لسؤال محتلا كيانها: لماذا كل هذا الشك في سلوكي؟ هذا ما لم تسكت عليه مطلقا, وتفجر الغضب منها وشعرت أن هذا الرجل لا يستحق المعرفة, وندمت علي ساعتها معه. وتوالت أفكارها وحديثها مع نفسها وهي تحصد الساعات في انتظار عودته, وما الذي يمكن أن يحدث إن وقع لي مكروه الآن؟ كيف تنقذ نفسها وتنجو وهي بين جدران مغلق عليها باب بمفتاح لا تدري مكانه؟. سواد في سواد منذ أن عشت مع هذا الرجل هكذا كانت تفكر سمر وعادت تتحسس الأورام والكدمات من جديد وقد أضمرت في نفسها الشر وبعد فترة غلبها التعب والجوع وارتخت جفونها وهزمها سلطان النوم العنيد. وفجأة انتبهت علي صوت خطوات زوجها العامل عائدا من عمله وهو يمشي بطريقته المعتادة وهو يخلع ملابسه ويرمي بها علي الأرض مع حذائه لترفعهما سمر كما تعودت. ألسنة من اللهب انفجرت من فم سمر وهي تعاتب الزوج الذي مازالت بصمات علقته محفورة علي جسدها الليلة الماضية, ولم يمهلها الزوج بل قاطعها واتجه إليها بالسباب وأنه لن يلعب لعبة ذي الوجهين ويتركها علي شعرها تسير كما تهوي تستملح أي كلمات من أي رجل اتهام بالشرف واتهام بالفقر والعوز. حمم من النيران كان كلا الزوجين يقذفها في وجه الآخر وتصلبت إرادة الزوجة لتذود عن نفسها ما يسؤها وهي لا تعرف كيف تنفي عنها شكوك أحمد. وشعرت أنها لا تري أمامها إلا إخراس وقطع لسان أحمد لم تتردد سمر ومدت ذراعيها حتي آخرها ونسيت الآلام الجديدة التي حلت بها بعد عودة أحمد إلي هوايته وسحبت سكين المطبخ والمدسوس أسفل الأواني المتسخة ولم تغمض عينيها وهي تشعر أن صاعقة من السماء نزلت واقتلعت بطنها من شدة لكمات أحمد ولم تنظر سمر أيضا إلي مكان قلب أحمد ولكن السكين كان يعرف طريقه وهو في يد الزوجة ولم يزد الأمر عن طعنة واحدة أنهت كل شيء ولم يتبق إلا عينا أحمد جاحظتين هرب بريقهما ودماؤه تنزف في غزارة أسفل جسده المسجي بالصالة. وشلت قدم سمر في مكانها وتكفل الجيران الطارقون علي الباب بدون إجابة منذ أن بدأت المعركة بالباقي وحضر رجال المباحث وعلي رأسهم اللواء جمال عبد العال رئيس المباحث الجنائية. وتم تحرير محضر بالواقعة وباشر بكر أحمد عبد العزيز رئيس نيابة السلام التحقيق مع المتهمة بإشراف المستشار جاسر المغربي رئيس نيابة حوادث شرق القاهرة وأمر بحبسها علي ذمة التحقيق.