مدت شيماء يدها لتمسك بعصا صغيرة تعبث بها في الرمال أمام مسكنها ترسم الدوائر ثم تمحوها في آلية رتيبة وبعد فترة طالت جلستها وامتدت خطوطها في الرمال. وبالرغم من الحر الشديد وتعامد الشمس وقت الظهيرة وخلو الشارع من المارة إلا قليلا, إلا أن شيماء لم تكن تأبه أو تهتم لقيظ الحر فما تفعله هو سلواها الوحيدة والتي اعتادت عليها للهروب من بطش وقسوة زوجة أبيها الطائع لأوامر الهانم دائما, والذي لا يفتأ أن يرد باستمرار وبصوت خفيض اصبري يابنتي احنا حالنا أحسن من غيرنا. وتعلقت عينا شيماء بالرمال ونفدت منها إلي ذكرياتها تتذكر آلاما مازالت آثارها محفورة في رأسها والتي تحسستها فجأة فوخزها الألم, وحضرها المشهد وزوجة أبيها تدك رأسها أرضا لتأخرها في كنس الشقة فانهمرت الدموع علي خديها وصوت ابيها يحضر بأذنيها هامسا معلش يابنتي المفتري عليه ربنا. وعندما حاصرتها الذكري بآلامها وجدت لسانها يردد ياتري من المفتري ابويا ولا مراته, ونهضت واقفة رامية بالعصا إلي الأرض في يأس متخذة طريقها إلي آخر الشارع, ونظرت الطفلة إلي أنواع السيارات الواقفة الراكدة في شوارع منطقتها أعلي جبل الدويقة وقارنتها بالأنواع التي تمرق أمامها, وشعرت ان قدميها ترغبان في أن تمرقا كما الاطارات أمام عينيها بعيدا.. بعيدا عن العذاب والقسوة في منطقة مليئة بالحرمان شربت منه حتي امتلأت.. وكان لقدميها ما أرادت وبدأت البيوت التي تعرفها تبعد عنها وكلما رأت عمائر عالية شعرت بارتياح أكبر. لم تعرف شيماء انها بعدت كثيرا إلا عندما شعرت بالعطش فاقتربت من محل لتغيير إطارات السيارات أمامه سبيل ماء مثلج ارتوت منه في عجالة وما أن وضعت الكوب فارغا حتي اخترق أذناها صوت تباع ميكروباص يصيح رمسيس.. رمسيس. سمعت شيماء كثيرا عن رمسيس تعرف أنه ميدان كبير ربما يكون به بعض الألعاب ربما تنسيها الدويقة وعذابها.. حسمت أمرها وقفزت تتعلق بسيدة تركب الميكروباص, وبعد مسلسل شتائم من السائق لمن لا يملك الأجرة وتبرع أحد الركاب بالدفع تمت تسوية المسألة. وجلست بجوار الشباك يطير الهواء شعرها وتغلق جفنيها من قيظ الحر. الآخر, هكذا صاح السائق ووطأت قدم الصغيرة ميدان رمسيس وهزها الصخب الشديد وتلفتت عينها في الميدان الفسيح حول الباعة وسائقي الميكروباص, والقادمين والغادين والنائمين علي الأرصفة, حتي التقتها عينان مدربتان علي اصطياد أمثالها من المهمشة أنفسهم والمحطمة آمالهم, واقتربت منها بائعة ملابس وحاكت حولها خيوط الايقاع بالفريسة.واعطتها سندوتش فول وطلبت لها ليمون يطل منه الثلج خارج الكوب ولهثت شيماء وهي تشربه شاكرة للبائعة التي أجلستها بجوارها, ولم تحتج البائعة إلي كثير من الأسئلة للتأكد من أن بين يديها لقمة سائغة وفريسة تعرف جيدا من يدفع فيها المعلوم العالي.. هكذا كانت تفكر, وصاحت البائعة انت عندك كم سنة, فردت14 فعاجلتها بجملة محسومة إذن تشتغلي وتكسبي وتأكلي من عرق جبينك, أنا كلمت راجل طيب يشغلك معاه في مصنعه في حدائق القبة. وسكنت لسان شيماء كان القلق يكتنفها بشدة وكان ما حولها من دنيا وعالم آخر كبير علي إدراكها وعندما مالت الشمس للمغيب أنهت البائعة نشاطها وصحبت شيماء إلي حدائق القبة, ودقت باب صديقها العامل, الذي فتح الباب فاردا ذراعيه للصغيرة, وبعد كلمات التوصية والترحاب اللازمة اصطحب البائعة إلي ركن بالصالة وأوخز يدها بلفة نقود تهللت لها أساريرها, وغادرت المكان بحجة الآتيان بالعشاء للضيفة الجديدة. ودخل العامل حجرة أخري بالمنزل وحدد لشيماء لصامتة سريرها قائلا.. الصبح نروح نشتري ملابس جديدة للعروسة الصغيرة, وعلي السرير شعرت شيماء بدوار شديد يكتنفها ولم تدر أكانت واقفة أم نائمة واختلطت الأصوات في أذنيها في حدة مفاجئة واهتزت الرؤية أمامها لتقع في سبات عميق. ألم عنيف استيقظت عليه شيماء وحاولت القيام من السرير إلا أنها اتسعت حدقتها غير مصدقة فعندما حاولت التحرك فوجئت بقدميها مقيدتين في طرفي السرير, وأطلقت صرخة مدوية عندما تحسست السرير ورأت أسفلها بقع دماء كبيرة, وانفتح الباب علي مصراعيه ودلف العامل مبتسما عايزين نقضي وقت ممتع مع بعض بدون منوم في الشاي, هبت شيماء تحاول الفتك به إلا أنه أمسك ذراعيها النحيلتين وهددها بأنه يستطيع إلقاءها من أعلي السطح ولن يشعر بها أحد ولم تهدأ صيحات وتوسلات الصغيرة, فظل يصفعها علي وجهها حتي فقدت الوعد, واستمرت دموع الصغيرة تنهمر والذئب الجائع لا يشبع,10 أيام من السواد لم تر غيره شيماء, وفي بيتها كانت دقات قلب الأب يسمعها البعيد قبل القريب منه, ورسمت الدموع طرقا لا تجف علي خديه. وكان يري صورة ابنته علي جدران الحجرة تنظر إليه مادة إليه يدها تحاول لمسه للحظات وتختفي لتبدأ الآلام والدموع تغمر مقلتيه من جديد. وفي اليوم العاشر لغيابها فوجئ بها تستند علي سائق تاكسي, وانهارت علي الأرض أمامه, وكان قسم شرطة الحدائق قد تلقي بلاغا من ح37 سنة سائق ومقيم بالدويقة يفيد بأنه أبلغ عن غياب ابنته شيماء14 سنة منذ10 أيام وحرر عن واقعة الغياب المحضر رقم7371 لسنة2012 إداري منشأة ناصر, إلا أنه فوجئ عقب عودتها أنها أبلغته بقيام شخص يدعي الأكس ومقيم بمنطقة الحدائق, باغتصابها بمسكنه وفض غشاء بكارتها كرها عنها, وأثبتت التحريات والمعلومات صحة الواقعة, تم ضبط المتهم, وتبين أنه ح. أ وشهرته الأكس32 سنة مسجل خطر فئة ج رقم7376 مخدرات, وسابق اتهامه في16 قضية أخري, وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة, وأضاف المتهم في اعترافاته امام اللواء أسامة الصغير مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة, أنه تعرف علي الصغيرة عن طريق احدي البائعات التي تربطها بها علاقة سابقة, وأنه قام بايوائها بمسكنه لمدة10 أيام وعاشرها معاشرة الأزواج بعد أن فض غشاء بكارتها, فتم تحرير محضر بالواقعة رقم10205 لسنة2012 جنح القسم وأحاله اللواء محسن مراد إلي النيابة لمباشرة التحقيقات.