المصيبة الكبري التي لا تعرفها جماعة الإخوان المسلمين ولا ميليشياتها الإعلامية أن إنجاز الجماعة الوحيد هو تكتيل المعارضين ضدها ليس لاعتبارات العناد والمكايدة ولكن نتيجة لتناقض أقوال الإخوان مع أفعالهم وافتقادهم إلي خطاب متسق يمكن الارتكان إليه لتفسير سياسات الجماعة المضطربة والمرتبكة والتي إن دلت فإنما تدل علي أنهم لا يزالون في مرحلة المراهقة السياسية وكل بضاعتهم أنهم كانوا خصوما لنظام مبارك مما دفعه للزج ببعضهم إلي غياهب السجون وهي الاسطوانة التي لا يملون من المتاجرة بها ومل الشعب سماعها ويتوق إلي رؤية إنجازات حقيقية. ويتعين أن تخلع الجماعة عباءة الضحية وتتعامل مع وضعها الجديد في السلطة وأن تسأل نفسها ماذا كالت من وعود وماذا حققت علي أرض الواقع, بداية من برنامج المائة يوم وليس انتهاء ببرنامج النهضة الذي ثبت أنه أكذوبة كبيرة فلا يوجد برنامج إلا الاقتراض والاستدانة من الأصدقاء والحلفاء حتي لو أدي بنا الأمر إلي بيع تراب الوطن لأقزام المنطقة. لقد صوت الكثيرون للجماعة في الانتخابات التي منحتها السلطتين التشريعية والتنفيذية وبينهم كاتب السطور بدافع تجربة أكبر جماعة منظمة في مصر ما بعد مبارك وكان المأمول أن تقود الجماعة عملية التحول الديمقراطي بتجرد وبأسلوب لم الشمل والتوافق مع رفقاء الميدان, لكنها كشرت عن أنياب المغالبة والتمكين مبكرا ووقعت في غواية الأخونة مما جعل الحلفاء ينفضون من حولها بسرعة مذهلة, بعدما تأكد كل من اقترب منهم أنهم يقولون ما لا يفعلون, حدث هذا في موقف الجماعة من الترشح لمجلس الشعب وكذلك لانتخابات الرئاسة ومن المحكمة الدستورية العليا ولاحقا من مؤتمر العدالة الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي لنزع فتيل الأزمة مع القضاة قبل أن يعلن رجال القضاة مقاطعته احتجاجا علي معاودة مجلس الشوري مناقشة قانون السلطة القضائية الذي يوجد إجماع علي أنه بمثابة مذبحة للقضاة. وقد واتت الجماعة أكثر من فرصة لتصويب مواقفها ومد الأيدي للخصوم السياسيين ولكنها لم ولن تفعل لسبب بسيط أنها لا تثق في غير الأهل والعشيرة وتعيش أسري لسنوات المطاردة والعمل السري, فأين وعود الرئيس مرسي بتشكيل لجنة لتعديل المواد الخلافية للدستور لا سيما وأنه تم تمريره دون رضاء قطاع كبير من التيار الليبرالي والعلماني وفوق ذلك رغم انسحاب الكنائس الثلاث وهو خطأ تسبب في توتير العلاقة بين عنصري الأمة ونقل رسالة قلق وعدم ارتياح لشركائنا في الوطن. أيضا مبادرة حزب النور السلفي لإنهاء حالة الاستقطاب التي جاءت كنتيجة طبيعية لممارسات الإخوان فكان الرد بافتعال أزمة مع النور والإطاحة بالدكتور خالد علم الدين القيادي في الحزب ومستشار الرئيس, إلي جانب سابق ضلوع الجماعة في مؤامرة تفكيك النور للتخلص من مزاحمته لها في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ثالثا: واتتها فرصة تشكيل الحكومة للإطاحة بالدكتور هشام قنديل وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تلم الشمل وتوزع الأعباء علي شركاء الوطن ولم تفعل وآثرت الإمعان في أخونة الحكومة وإحكام السيطرة علي الوزارات وثيقة الصلة بانتخابات مجلس النواب. ورابعا: لم تقرأ الجماعة مغزي موجة الاستقالات الجماعية من المناصب سواء من الوزراء أو مساعدي ومستشاري الرئيس وبدلا من أن تتعامل مع ذلك باعتباره ضوءا أحمر يتعين التوقف عنده إذا بها تتعامل مع الأمر بمنتهي البرود واللامبالاة, بل وأسوأ من هذا لا تتورع عن تجريح رجال طالما دافعوا عن سياساتها وحاولوا تبييض وجهها. وإزاء هذا السيناريو الكارثي لم يكن هناك مفر أمام شباب الثورة من العودة إلي الميدان وظهرت حركة( تمرد) لجمع توقيعات سحب الثقة من الرئيس مرسي وهو ما ردت عليه الجماعة بالاعلان عن حركة( تجرد) كمعادل موضوعي علي غرار جبهة الضمير مع جبهة الإنقاذ. هذا التحرك رغم تحفظي عليه يشكل عملا مشروعا غير أنه أفقد الجماعة صوابها وراحت تكيل الاتهامات وتتهم الداعين إلي مليونية العودة إلي الميدان بأحط الأوصاف وأبشع الألفاظ علي لسان( المبرراتية والحالمين بالمناصب العليا) في دولة الإخوان غير السعيدة. لقد تناسي كل من سخر من مليونية العودة إلي الميدان أن التحرير هو رمز الثورة ودرة تاجها ولولاه لما صعدت الإخوان إلي السلطة وكان أقصي أمانيها أن تتواصل إلي صيغة تكفل العمل في النور مقابل تمرير سيناريو التوريث اللعين, كما تناسي أبواق الجماعة الذي يحلو لهم احتكار الطهر والنقاء والوطنية دون سواهم أن التظاهر السلمي حق دستوري انتزعته الثورة ويستحيل علي أحد إلغاؤه, ثم لماذا يحلون مليونية تطهير القضاء ويحرمون العودة للميدان, أليس الميدان هو الميدان والمتظاهرون مصريون, إنه علي الأرجح التغابي وعمي البصر والبصيرة الذي يخيل للجماعة أن مصر تعيش أزهي عصور الديمقراطية وحرية الرأي علي طريقة شريف الحزب الوطني المنحل. وفي تقديري أن الإخوان أصابها الارتباك من( تمرد) التي تدعمها حركتا كفاية و6 أبريل, مع أن نظرة متعمقة تؤكد أن التمرد صناعة إخوانية بامتياز فعندما تستعدي الجماعة رجال الإعلام وتعتبرهم سحرة فرعون وتتحرش بالقضاة بزعم تطهيرهم وتنتقم من المثقفين بالإقصاء والإبعاد وتناصب الشرطة العداء ويتطاول بعض قياداتها علي الجيش فهذا معناه أن الجماعة فشلت في إدارة مؤسسات الدولة رغم حالة الإنكار التي تتلبس قياداتها. ثم مع معني أن يخرج علينا رئيس الوزراء ليقول إن مصر آمنة فيما عدا كيلومتر مربع وحيد هو ميدان التحرير, أليس ذلك استخفافا بعقولنا إذ لم تمض ساعات علي التصريح حتي تم خطف7 من جنودنا في سيناء, ثم ألم يكن هو نفسة شاهدا قبل أيام علي اجتياح البلطجة لقلب القاهرة.