لست أزعم أنني من ثوار25 يناير, فلم أذهب يوما إلي ميدان التحرير سواء قبل الإطاحة بمبارك أو بعد تنحيه علي كثرة المليونيات الذي شهدها الميدان تحت أسماء وشعارات متباينة وربما متناقضة.. كما أنني لست محسوبا علي الفلول أو الحزب الوطني المنحل من أي ناحية فلم أحمل يوما بطاقة عضويته ولم أسع للانضمام إليه أو لجنة السياسات التي قادت البلاد إلي كوارث بلا حدود, وبالتالي فإن شهادتي علي الثورة تعبر عن رؤية محايدة لقلم ينتمي للأغلبية الصامتة التي لم ترض يوما عن سياسات النظام البائد ولم ترض أيضا عن مآل الثورة التي أطاحت برأس النظام في11 فبراير2011, ودغدغت مشاعر المصريين بالعيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية والسؤال الذي يلح علي ذهني هو: هل نجحت الثورة أم لا؟ وردي هو: نصف نجاح أو نصف فشل, فما معني أن تسقط نظاما ديكتاتوريا وتعجز عن بناء نظام يحقق الحد الأدني من شعارات الثورة ويترجم منظومة القيم التي أفرزتها تجربة الاعتصام في التحرير طوال18 يوما سبقت تنحي الرئيس السابق. وليس من شك في أن الحالة البائسة التي وصلنا إليها الآن علي جميع الصعد تؤكد أن الثورة ضلت طريقها أو انحرفت عنه سواء بقصد أو بدون لا فرق لأن العبرة كما يقولون بالخواتيم أو بالنتائج. ولست أدري إن كان مضي نحو25 شهرا من عمر الثورة يكفي لتقييمها ونقدها أم أن الوقت لا يزال مبكرا لإصدار حكم منصف بشأن الحدث الأكبر في تاريخ مصر منذ ثورة23 يوليو1952. وبكل تجرد أقول: إن الثورة كما أفهمها وتقول كتب التاريخ تعني تغييرا شاملا في بنية النظام السياسي والاجتماعي والثقافي علي نحو ينعكس علي مجمل الحياة, وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد باستثناء أمر وحيد هو تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية تعددية بين أكثر من مرشح تحققت لها شروط النزاهة والشفافية رغم ما شابها من مخالفات لكنها لم تؤثر علي النتيجة, أيضا أهدت إلينا الثورة أول رئيس مدني منتخب بإرادة حرة بعيدا عن مساخر الاستفتاءات المزورة التي طبعت حقبة يوليو وتفاءلنا خيرا بانتخاب خادم للشعب علي حد وصف الرئيس محمد مرسي لنفسه لكن موجة التفاؤل لم تدم ووجدنا أنفسنا أمام صورة مكررة من مبارك في المقابل أشعلت الثورة روح التمرد علي كل شيء واستبدل المصريون جينات الخنوع واللامبالاة بجينات التمرد والاحتجاج وحتي العصيان المدني والعدوان علي المرافق والمنشآت العامة وكأنهم توافقوا علي هدم كيان الدولة وليس علي بنائها ومن ثم سقطت الثورة أخلاقيا أو هكذا أريد لها. وبالعودة إلي الشعارات التي رفعها ثوار التحرير نجد أن الشعب يريد إسقاط النظام لم يتحقق فقد سقط رأس النظام وكبار مساعديه لكن أعمدته الرئيسية لا تزال تقاوم وهذا حقها بيد أن رجال العهد الجديد فشلوا في وضع أسس نظام يحافظ علي دولة القانون والمواطنة والاتفاق علي لعب مباراة سياسية شريفة بقواعد وأطر محددة وسرعان ما بدد الصراع علي السلطة وحدتهم ومزق صفوفهم وقسم رفاق الميدان إلي فريقين متصارعين. وإذا كانت تفاحة الثورة سقطت في حجر جماعة الإخوان المسلمين فإن شباب الثورة باتوا خارج المشهد السياسي واقتصر حضورهم علي الظهور في الصحف والفضائيات وكأن الثورة تأكل أبناءها. والمؤسف أن الذين يفترض أن يؤسسوا لدولة القانون كانوا أول من انقض عليها وكانت البداية بالتحرش بالقضاء والمحكمة الدستورية العليا التي تمت معاقبتها علي حل مجلس الشعب الإخواني وحنث الرئيس بالقسم أمامها, قبل تقزيم دورها في الدستور اللاتوافقي الذي عمق تقسيم الأمة المصرية في وقت نحن أحوج فيه إلي التوحد ورص الصفوف ومن هنا كانت البداية في بث ثقافة التمرد والتشكيك في القضاء حتي شاهدنا التفافا مكشوفا لإعادة مجلس الشعب المنحل واقتحاما لساحات المحاكم وصلت إلي مهزلتي حكم مجزرة بورسعيد في26 يناير الماضي و9 مارس الجاري. لقد سقطت الثورة في فخ الصراع علي الثمرة قبل أن تكون في متناول اليد مثلما انقسم الفلسطينيون علي الدولة قبل تحريرها وغزاهم فيروس الانقسام اللعين فمزق ما هو ممزق وقسم ما هو مقسم وأضاع الهدف الأسمي في بناء دولة المؤسسات. إن إصرار الرئيس علي تمرير الدستور غرس سكين الانقسام في قلب الوطن وأصبحنا أمام فريقين كلاهما يري نفسه علي صواب ويستخف بالآخر وهو ما وفر بيئة مثالية لدعاة الفوضي واللهو الخفي علي نحو انتشرت معه كل صور العنف من خطف وسرقة بالإكراه وتجرؤ غير مسبوق علي مؤسسات الدولة. لقد قامت الثورة ضد رئيس كان يستمد شرعيته من الجيش وعهد قبل تنحيه له بإدارة البلاد وخرجت مليونيات تطالب برحيل العسكر لكن من المفارقات أن الذين ناهضوا تجربة المجلس العسكري هم الذين يستدعون الجيش الآن للعودة مما يعني سقوطا أخلاقيا جديدا للثورة. إن إضراب الشرطة الذي خرج أخيرا إلي العلن طرح فكرة إنشاء ميليشيات لحفظ الأمن وهذه ردة إلي الوراء وسقوط لدولة المؤسسات. والأهم من ذلك أن رجال العهد الجديد لم يثبتوا جدارتهم بتحمل قيادة الثورة بدليل التراجع الرهيب في شعبية الإخوان خلال الفترة الأخيرة علي غرار ما شهدته انتخابات الجامعات وكذلك انتخابات نقابة الصحفيين حيث لعبت شائعة تحالف المرشح الخاسر لمنصب النقيب مع الجماعة دورا كبيرا في خسارته. رابط دائم :