في حوار مع بعض الأصدقاء عما نحن فيه برز سؤال عن الوضع في المرحلة الحالية وعن كم الإنجازات التي تملأ ساحة المواقع الاجتماعية رغم تردي الأحوال المعيشية التي يلمسها القاصي والداني ورغم تباين الآراء حول سبل الحل إلا أن مقارنة بسيطة بين الأسباب التي لم تحقق فيها ثورة يوليو ما كان بإمكانها تحقيقه وبين الوضع الحالي تبرز أن قضية أهل الثقة وأهل العلم سبب جوهري في عدم إطلاق طاقات أفراد المجتمع لبناء تنميته وتقدمه, إضافة إلي استئثار مجموعة بعينها بالسلطة عوضا عن وضع آلية مجتمعية ينخرط فيها المجتمع جميعه, وهو ما أدي بنا إلي أن ضاعت البوصلة وبحث كل فرد عن تأمين حياته الخاصة متناسيا أن تأمين حياة المجتمع سيعم علي الجميع ومنه الشخص ذاته. لا شك أن مجموعة الضباط الأحرار الذين قادوا ثورة يوليو حركتهم دوافع قومية وكانوا نظيفي اليد ولكن هذا وحده لا يكفي لقيادة أمة مهما صغرت ناهيك عن قيادة مصر. كان لثورة يوليو العديد من الإنجازات التي حاولت من خلالها نقل المجتمع إلي طريق الصناعة الحقيقية ولكن بدون آليات لتصحيح المسار فتوقفت الصناعة عند مرحلة التجميع بدلا من اعتبارها محطة للانطلاق نحو صناعة حقيقية ومن أشهر أمثلة ذلك صناعة السيارات. وكانت النتيجة توقف الصناعة عند مرحلة لا طائل من ورائها إلا كونها محطة يلزم تجاوزها بأسرع وقت. قضية الصناعة قضية مصيرية لابد من وضعها في سياقها التنموي من خلال هدف قومي وخطة قومية أما ما يشاع الآن عن صناعة حاسوب وقطار وغيره من المنتجات فلا يعدو إلا أن يكون تدليسا علي العامة في محاولة لكسب ودهم, مستغلا الأمية المتفشية في المجتمع. القضية أكبر من أن يحاول إعلام محدود التأثير أن ينشرها في مواجهة مشاكل حقيقية وفي مواجهة إعلام مضاد لأي محاولة إصلاح وفي مواجهة مصالح تضاد المصلحة القومية في سبيل مصلحة شخصية رخيصة. قامت ثورة يوليو في أشهر معدودة بأعمال اختراق حولت مجري المجتمع وأثرت علي بنيانه بعزيمة لا تفتر. وتستحضرني هنا كلمات الزعيم جمال عبد الناصر: اللهم امنحنا القوة لكي ندرك أن المهزوزين المترددين لا يصنعون تاريخا ولا يبنون مجدا. ورغم أن المقارنة بين وضعنا الحالي ووضعنا في يوليو1952 م مقارنة ظالمة حيث كنا أمام يد قوية تدرك ما تفعله وتستعين بأهل الثقة في أحيان كثيرة, إلا اننا أمام وضع متردد لا يستطيع معه الرئيس المنتخب أن ينفذ قرارا بله عن استعانته بأهل ثقة جوفاء باعوه عند أول محطة حين لاحت بوادر عدم النجاح بدلا من دعمه مما يوحي بسوء اختياره لمعاونيه. ورغم أن النصائح تتوالي علي المجموعة الحاكمة كي تصحح المسار إلا أنها تأبي إلا التردد وتأبي إلا الدفع بغير أهل العلم إلي صدارة المشهد. ورغم تغلغل أفراد المجموعة الحاكمة في مختلف مفاصل الدولة إلا أنهم أبوا إلا أن يركنوا لعدم التفكير أمام آلية نشطة لا تتواني عن هدم أي خطوة يقومون بها. قضية الاستعانة بأهل العلم من كوادر المجموعة الحاكمة ومن غيرها إن لم تجد من بينها من يمكنه حمل الأمانة قضية مصيرية بدونها تشنق تلك المجموعة نفسها بنفسها وتشنق معها أي أمل في حياة ديمقراطية تنعم فيها البلاد بتنمية حقيقية بل وتقدم الدولة لمنظومة الفساد علي طبق من ذهب! لقد قدمت المجموعة الحاكمة نفسها علي أنها المنقذ النقي الذي جاء لتنمية وتطهير البلاد وهو ما يعني أنها تعلم كم الفساد المستشري في البلد ولكنها تسير علي نفس النهج السابق بل وأضعف منه إذا أخذنا في اعتبارنا الأمن الذي بات غائبا حتي في أرقي أحياء العاصمة والتجبر الذي يمارسه فاسدو القضاء والخذلان الذي تمارسه الشرطة. ولا يسعني هنا إلا أن أتذكر ما أقدمت عليه رئيسة جمهورية جورجيا حين نحت أفراد الشرطة واستبدلت بهم مجموعة أخري بعزيمة وبوعي. وأشير إلي ما نشاهده من عدم التزام رجل الشرطة في الشارع مما يوحي بأن المقصود مما يجري إفساد منظومة الدولة ككل بصورة بطيئة تسري في جسد الأمة كالسم. قضية التنمية تحتاج إلي زعيم بدرجة رئيس جمهورية أو رئيس وزارء له هدف قومي وله فكر يمكن أن يهز المجتمع هزا في فترة قصيرة وكفانا ما يقوم به من يظنون أنهم يضفون علي المشهد الحالي هالة من النقاء المتوهم فعليهم أن ينسحبوا من المشهد لأنهم رجال كل العصور مهما زينت لهم أعمالهم أنهم يدفعون الأمة للأمام فهم لا يقدمون إلا مدحا في غير موضعه فالمشاكل تتلاحق ومازالت أدراج موظفي الحكومةمفتوحة ومازال الأمن غائبا ومازالت الأسعار في ازدياد ومازالت الخدمات في تناقص ثم يحدثنا البعض عن هالة يلبسها البعض تفاخرا بعكس المشهد الحقيقي الحالي. حقا لقد بلغ السيل الزبي والتركة ثقيلة والفساد مستشر ولكننا نأمل جميعا أن يأتي الحكم الحالي بحلول لكل هذا بلا تردد, وبمبادأة وليس برد فعل. هذا الأمر يجعلني أتساءل عمن يخطط للمنظومة الحاكمة ويدفعها لكل ما نحن فيه من قصور. الآن وليس غدا علي الحكم أن يعدل من مساره وأن يجعلنا نشعر بأن هناك حاكما عادلا تطلق الأمة من خلاله طاقاتها البناءة فالتاريخ لا يرحم الضعفاء. وفي السجال الحالي بين الرئيس والقضاء الذي أودي بإحدي المحطات الخمس التي استفتي عليها الشعب وأجل انتخابات مجلس النواب رغم أن المادة229 من الدستور تنص علي البدء في إجراءات انتخاب أول مجلس نواب خلال ستين يوما من العمل بالدستور بالمعارضة للدستور وأتساءل هل يمكن لسلطة أن تعارض نصا دستوريا؟ رابط دائم :