في تأسيس الحضارات أو البلدان والدول مبادئ أقرها الاسلام فأنشأ دولا اسلامية بل حضارة إسلامية بلغت حدودها شرقا وغربا. ورغم الازمات التي كانت تحيط بالاسلام منذ أن كان الرسول صلي الله عليه وسلم بمكة وحتي في المدينة وما كان فيها من اختلاف في الديانات اليهودية والنصرانية وعبدة الاوثان لكن بتطبيقه صلي الله عليه وسلم من المبادئ التي لو طبقناها في مصر بعد ثورة أنعم الله بها علينا لتحولت مصر التي ذكرت أكثر من35 مرة في القرآن بمعاني مختلفة إلي دولة عظمي كما كانت بما تملك من موقع يتوسط الدنيا ومناخ معتدل وقوة بشرية قادرة علي صنع المعجزات غير أن الازمات المتتالية أصبحنا لانستطيع الخروج منها, فهل لو نظرنا في سيرة نبينا وتأملناها فهل من خروج لما نحن فيها؟ في البداية يؤكد الدكتور عطية فياض أستاذ الفقه المقارن بجامعة الازهر ان المنهج الذي طبقه الاسلام في معالجة الأزمات التي كانت تحيط به في بداية تأسيس الدولة في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم كان يرتكز علي ثلاثة جوانب الأول منها الجانب الايماني عند المسلمين فقد حرص الاسلام علي تثبيت الايمان بالله في القلوب باعتبار أن المدبر والقاهر والمنفذ لما يريد في ملكه هو الله وبالتالي كان وضوح هذا الأمر يزيد من الإيمان بأن كل ما يحدث بيد الله. الأمر الثاني تمثل في رفع وعي المسلمين فيما يتعلق بالتعامل مع الاحداث فلا ينظروا إليه بسذاجة ولا مبالاة فبعض الأحداث تكون من انفسنا كما حدث في أحد وفي المدينة عندما تجمع اليهود والمشركون من الداخل والخارج, ورفع وعي المسلمين في التعامل معهما ووضع كل شيء في مكانه وغايربين المشركين واليهود وبهذا كان درسا للتعامل الرشيد مع أي أمر يلحق بهم. وتمثل الأمر الثالث في وحدة الصف بين المسلمين باعتبارها كفيلة بالقضاء علي أي أزمة مهما كانت فلا يعقل مواجهة أي أزمة والجميع في حالة شتات وتفرق, كل لا يقبل الآخر فبالتأكيد أن تتحول الأزمة في ظل ذلك إلي كارثة بعكس ما إذا واجهت الازمة بوحدة صف فإنها سوف تتحطم علي وحدة الامة بجميع عناصرها من يهود ونصاري من أبناء الأمة, وكثير من الازمات التي وقعت للمسلمين كان يزداد أثرها إذ لم تواجه بوحدة الصف. ويلتقط الدكتور علوي أمين أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر طرف الحديث قائلا: لقد استطاع الرسول صلي الله عليه وسلم أن يحقق الوحدة الاجتماعية بين أبناء المجتمع الواحد فآخي بين المهاجرين والانصار وأنهي الخلاف بين قبيلتي الأوس والخزرج, وبعد أن وحد الأمة من الداخل أقام معاهدة مع اليهود في المدينة ثم عقد وثيقة بينه وبين النصاري فأصبح ما في المدينة وما حولها يدا واحدة كأسرة واحدة. والمتأمل في هذه الوثائق يجدها قائمة علي حرية العقيدة والمساواة والعدالة الاجتماعية فلم يجبر أحدا علي الدخول في الاسلام وعند ما جاءه وفد نجران يتعلم الاسلام ودارت مناقشات وحوارات مع الرسول أجلسهم في مسجده وقام علي خدمتهم وضيافتهم بنفسه بمساعدة بعض الصحابة وفي النهاية ظلوا علي ملتهم, وعاهدهم الرسول علي ذلك وأمن لهم كل ما تحت أيديهم من صوامع وبيع وكنائس. ويشير د. علوي أمين إلي أن المتتبع لتعاليم الرسول يجد أن الرسول قال لا يؤمن أحدكم حتي يحب لاخيه ما يحب لنفسه ولم يقصر ذلك علي المسلم بل قال في حق أهل الذمة من أذي ذميا فقد أذاني ومن أذاني فقد أذي الله تعالي ومن أذي ذميا فأنا خصمه موضحا أن ما يدور في المجتمع الان ليس قصة مسلم ومسيحي فما بين المسلم والمسلم أشد وأنكي مما بين المسلم وغير المسلم, وأن ما يحدث يظن أن هناك فتنة طائفية فهي فقاعات يستفيد منها أعداء الإسلام, وأعداء المسيحية, وأعداء مصر, فلا يتخيل عاقل أن قيمصا تم حرقه تزهق فيه الأرواح أو رسما في الخصوص يؤدي لفتنة لكن هذا يوجب علي الجميع إعادة ترتيب الأوراق فما حدث في الخصوص ليس اسلاما او مسيحية ولكنه مشاجرة بين عائلتين إحداهما استعانت بالكنيسة والأخري بالمسجد ومن ينظر إلي القري والريف يلاحظ أن الجميع مسلم ومسيحي لا يفرق بينهما أي شيء غير أن ما يحدث يعطي الجو العام. انفلاتا اخلاقيا وانفلاتا أمنيا, وضياعا اقتصاديا وهوجة سياسية الكل فيها يظن أنه أفضل من الكل مؤكدا أن الجميع في حاجة للوحدة ولم الشمل غير أن هذه المرحلة بعد الثورة تشبه غزوة أحد, انتصر المسلمون فيها ثم طمع أصحاب المنافع( المطالب الفئوية) وانقضوا علي الثورة وأخشي أن تكون هناك هزيمة فبوادر النكسات التي مني بها الجميع من انفلات أمني وأخلاقي سيؤدي إلي كارثة تستوجب توسيع قاعدة بيت العائلة وهو دور الازهر والاوقاف والابراشيات في بث روح الوحدة وضرورة الاجتماع علي كلمة سواء. ومن جانبه يري الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن الاسلام يعالج الازمات بمبادئ منها تطبيق الايمان الصحيح من الكتاب والسنة عن طريق العلماء والدعاه بأعتبار أن العلماء هم الصف الأول في الأمم بعد الرسل لقوله صلي الله عليه وسلم العلماء ورثة الأنبياء وعليهم أن يبلغوا الدعوة لجميع الناس لجمعهم علي الإيمان بالله وتطبيق قواعده حتي لا يحدث خلل في المجتمع ولا يكون هناك غش ولا أثره, واستحواذ علي أمور دون غيرهم ثانيا تطبيق مبدأ العدالة فالعدل أساس الملك وقد وعد الله المؤمنين الصالحين بالتمكين وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا. فإذا أردنا الأمان والاستقرار فواجب الجميع تطبيق الايمان والعدالة وأن ينتهي المسئولون عن ظاهرة الاستحواذ والتكويش علي كل شيء لأن المجتمع لا ينهض بفئة واحدة ولا بفصيل واحد بل علي المسئولين أن يجمعوا الناس علي قلب رجل واحد بدون التعصب لأحد أو حزب أو فصيل لأن الاثرة واحتكار فصيل لوظائف معينة دون الاخرين يؤدي لغرق المركب فإذا أردنا الخروج من هذه الازمات فعلي الرئاسة إعادة هيكلة الحكومة بحيث يكون الوزراء من جميع القوي ولا يشترط فيهم سوي العدل والامانة والكفاءة وليس خصوصية فصيل معين حتي لا نحرم مصر من كفاءات ليست في هذا الفصيل أو ذاك الحزب, فمصر تحتاج لأناس يمتازون بالاخلاص والأمانة والكفاءة إذا أردنا إنقاذ الوطن وهو ما طبقه الرسول حيث قال من ولي من أمر المسلمين شيئا فأمر عليهم أحدا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا حتي يدخل جهنم. ويوضح الشيخ محمد عبده من علماء وزارة الأوقاف أن الأزمة التي تعيش في مصر ترجع لعدم الالتزام بكتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم في جمع الكلمة وتوحيد الصف ورأب الصدع والوقوف جميعا في وجه أي مشكلة كل بما يستطيع أن يقدم مع التزام طلب المغفرة من الله والابتعاد عن المعاصي التي تجلب غضب الرب, مشيرا إلي أن هذه أضواء لامعة كاشفة لمعاملة النبي للأزمات فعندما كان صلي الله عليه وسلم بالطائف الذين سلطوا عليه صبيانهم وسفاءهم ذهب يناجي ربه اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي إلي من تكلني إلي بعيد يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري إن لم بكن بك غضب علي فلا أبالي, أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والارض وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل بي سخطك أو أن ينزل علي غضبك لك العتبي حتي ترضي ولا حول ولا قوة إلا بالله وعندها جاء الفرج جبريل ومعه ملك الجبال مأمورا بتنفيذ ما يطلبه محمد صلي الله عليه وسلم لو طلبت أن يطبق عليهم الجبلين فما كان من رسول الله إلا أن قال لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا. ويقول الشيخ محمد البسطويسي بوزارة الأوقاف أن الرسول صلي الله عليه وسلم لم تكن معه عصا سحرية لحل الازمات ولكن كان معه لسان بليغ وقلب زكي كان أساسه الاخلاص وهذا اللسان كان مبدأه الشوري فكان ينزل عن رأيه إذا وجد الاكثرية تريد ذلك رغم أنه كان يأتيه الوحي فقد أخذ برأي الشباب في الخروج من المدينة لملاقاة الكفار خارجها رغم أن رأيه كان عكس ذلك ووافقه كبار الصحابة فقد رأي الشباب أن عدم خروجهم يعايرهم به العرب فوجد الرسول أن رأيهم الاغلب فترك رأيه ورأي كبار الصحابة, وهنا وضع قاعدة أن رأي الأكثرية هو الذي يطبق وينفذ وعلي الاقلية أن تخضع لهذا الرأي وإلا كانت الفوضي, وخير دليل علي ذلك عندما لبس الرسول لباس الحرب راجع الشباب نفسه وقالوا لقد أجبرنا الرسول علي الخروج وهو أمر يكره فردوا الأمر إليه فوضح النبي صلي الله عليه وسلم قاعدة أخري للشوري وهي مادام المجلس قد انفض علي رأي فلا يمكن الرجوع فيه لقوله ما كان لنبي لبس لأنه الحرب أن يخلعها حتي يقضي الله بينه وبين عدوه. ومن ثم فيجب حسم الخلاف الدائر بالمشورة والحوار ثم يترجم الامر بتنفيذ رأي الاغلبية, ولابد من خضوع الاقلية له, مشيرا إلي أن الخلاف ليس منكرا في الاسلام فقد اختلف الصحابة حول الامير بعد وفاة النبي وانتهي الخلاف فعلي المصريين جميعا أن يعلموا بأن هناك حربا ضروسا ستأكل الأخضر واليابس ضد مصر في هذه الظروف الحرجة التي لاتحتمل مانراه من خلافات سياسية هدفها أطماع وأغراض شخصية تفتح الأبواب أمام المتربصين بمصر.