اصدرت الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة بتاريخ27 مارس الماضي حكما في طلب المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام السابق ورئيس محكمة الاستئناف بمحكمة استئناف القاهرة حاليا بعودته إلي عمله نائبا عاما عن طريق إلغاء القرار الجمهوري رقم386 لسنة2012 الصادر بتعيين المستشار طلعت ابراهيم عبدالله في منصب النائب العام واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب علي ذلك من آثار وقد قضت الدائرة المذكورة بإلغاء القرار الجمهوري المطعون عليه مع ما يترتب علي ذلك من آثار اخصها عودة المستشار عبدالمجيد محمود لعمله كنائب عام. والحقيقة اننا لن نتناول بالتعليق في هذا المقال ذلك الحكم سواء من حيث ما جاء بمنطوقه أو ما جاء بأسبابه بل سوف نقصر تعليقنا علي طلب المستشار عبدالمجيد محمود الحصول علي صورة تنفيذية من ذلك الحكم بعد رفض قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة وضع الصيغة التنفيذية عليه لكونه من وجهة نظر قلم الكتاب لايتمتع بالقوة التنفيذية وكذلك علي ما جاء ببيان مجلس القضاء الأعلي الصادر في ابريل الجاري من أن تنفيذ الحكم يتوقف علي قرار الدائرة المدنية بكون حكمها واجب النفاذ ام غير واجب النفاذ في ضوء فصلها في الطلب المقدم إليها من النائب العام السابق. ولنبدأ بمعلومة قانونية يعلمها طالب الفرقة الثالثة بكلية الحقوق, وهي ان قانون المرافعات المدنية والتجارية هو الشريعة العامة في المجال الاجرائي بمعني ان اي نقص في نصوص اجرائية في قانون اخر غيره يتم استكماله من نصوص قانون المرافعات مثل قانون المحكمة الدستورية العليا مادة51 أو قانون مجلس الدولة مادة3 هذا من ناحية. ومن ناحية اخري فان قواعد تنفيذ الأحكام القضائية منصوص عليها ايضا بقانون المرافعات وتصعب مخالفتها إلا بنص خاص ومن ثم فان الحكم الصادر من الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة لن يخرج من حيث قوته التنفيذية عن تلك القواعد. ولنبدأ اولا بالقاء الضوء علي قواعد تنفيذ الاحكام القضائية, والتي تقسم هذه الاحكام من حيث قابليتها للتنفيذ إلي نوعين الأول منها هو الاحكام النهائية الحائزة لقوة الأمر المقضي اي التي لا تقبل الطعن عليها بالاستئناف والثاني هو الاحكام الابتدائية المشمولة بالنفاذ المعجل, والتي هي بحسب الاصل لاتقبل التنفيذ لانها تقبل الاستئناف, ومن ثم لاتتمتع بقوة المقضي والنفاذ المعجل نوعان اولهما يقع بقوة القانون مثل الاحكام المستعجلة والاحكام التجارية وثانيهما تحكم به المحكمة بناء علي طلب من المدعي, وتتمتع بشأنه بسلطة تقديرية. فاذا لم يكن الحكم الابتدائي مشمولا بالنفاذ المعجل, فانه لايصلح للتنفيذ ولا لوضع الصيغة التنفيذية عليه, بمعرفة قلم الكتاب الذي له في هذه الحالة ان يمتنع عن ذلك. ونلفت النظر إلي ان الحكم الابتدائي المشمول بالنفاذ المعجل بحكم المحكمة, يستمد قوته التنفيذية من الحكم ذاته, فإذا صدر الحكم خاليا من الأمر بالتنفيذ, فهو لاينفذ ولاتستطيع المحكمة بناء علي طلب يقدم إليها بعد صدوره, ان تأمر بتنفيذه باعتبار انها استنفدت ولايتها حول الحكم في موضوع النزاع وحول الأمر بتنفيذه. نعود إلي طبيعة عمل الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة عند نظرها للدعاوي التي يرفعها امامها رجال القضاء والنيابة العامة, ونشير إلي ان المشروع وضع نظاما قانونيا وقضائيا خاصا للفصل في الدعاوي التي يرفعها رجال القضاء والنيابة العامة وتكون متعلقة بشئونهم والمحدد بالمادة83 من قانون السلطة القضائية, فهذه الدعاوي كانت تختص بها الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض في ظل المادة83 من قانون السلطة القضائية رقم46 لسنة1982 قبل تعديلها بالقانون142 لسنة2006 وكانت تفصل في موضوعها علي درجة واحدة باعتبارها محكمة موضوع وليس باعتبارها محكمة نقض وكان بالطبع حكمها نهائيا وباتا لايجوز الطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن المقررة قانونا لأحكام المحاكم العادية, وعند تعديل المادة83 من قانون السلطة القضائية بالقانون142 لسنة2006 جعل المشرع التقاضي بشأن الدعاوي المتعلقة بشئون رجال القضاء والنيابة العامة علي درجتين الدرجة الأولي هذ الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة, والدرجة الثانية هي الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض, وعندما تنظر اي من الدائرتين الدعوي المرفوعة اليها من رجل القضاء أو النيابة العامة في شأن من شئون القضاء أو الطعن علي الحكم الصادر فيها فإنها تنظرها ليس بصفتها محكمة استئناف او محكمة نقض, وانما بصفتها محكمة أول درجة أو محكمة ثاني درجة, والقول بغير ذلك يهدر الحكمة التي ابتغاها المشرع من تعديل نظام التقاضي بشأن دعاوي رجال القضاء حيث كان علي درجة واحدة وبعد تعديل عام2006 اصبح علي درجتين. لذلك عندما تفصل الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة في الدعوي المرفوعة إليها من رجل القضاء فإنها تفصل فيها باعتبارها محكمة أول درجة ويخضع حكمها من حيث قوته التنفيذية لقواعد تنفيذ الاحكام القضائية بصفة عامة لخلو قانون السلطة القضائية من نصوص خاصة تنظم تنفيذ أحكام الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة, مما مفادة خضوعها للقواعد العامة في تنفيذ الأحكام. ومن ثم. إذا لم تأمر المحكمة بشمول حكمها بالنفاذ المعجل سواء طلبه رجل القضاء أو النيابة ولم تر المحكمة مبررا لطلبه أو لم يطلبه حيث يمتنع عليها أن تقضي بما لم يطلبه الخصوم فإن خكمه يصبح غير واجب النفاذ, ولايستطيع قلم الكتاب وضع الصيغة التنفيذية عليه. ومن الواضح, أن هذا هو وضع الحكم الصادر من الدائرة المدنية بمحكمة الاستئناف, فهناك أحد احتمالين, اما أن رافع الدعوي لم يطلب النفاذ المعجل, ومن ثم لم تتعرض المحكمة لنفاذ حكمها معجلا, وإما طلب النفاذ المعجل, ولم تستجب المحكمة إليه. فالحكم المشار إليه صدر غير واجب النفاذ, وفقا لما سبق بيانه. وأخيرا, فإن مسألة عرض تنفيذ الحكم الصادر من الدائرة المدنية بمحكمة الاستئناف عليها مرة أخري لتنظر في شأن تنفيذ حكمها من عدمه وتحديدها لذلك جلسة2013/4/27 هو أمر مخالف لقاعدة حجية الأحكام, واستنفاد المحكمة لولاية الفصل في النزاع بإصدارها لحكمها( ولو كان مخالفا للقانون بحسبان أن هناك طريقا للطعن عليه) وهي قاعدة متعلقة بالنظام العام, وإذ لم تذكر المحكمة في حكمها( الابتدائي) هل هو مشمول بالنفاذ المعجل أم لا, فلا تستطيع أن تتعرض مرة أخري لهذه المسألة, ولعل وجه الاستغراب في بيان المجلس الأعلي للقضاء, أنه ترك الأمر للمحكمة لكي تفصل في مدي كون حكمها واجب النفاذ من عدمه وهي مسألة كما ذكرنا تخرج الآن تماما عن ولايتها. أما المختص بإصدار الأمر إلي قلم الكتاب بوضع الصيغة من عدمه, فهو قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة التي أصدرت الحكم اعمالا لنص المادة182 مرافعات ولما كان الحكم صادرا من الدائرة الابتدائية بمحكمة استئناف القاهرة, فإن قاضي الأمور الوقتية المختص محليا هو القاضي بمحكمة جنوبالقاهرة الابتدائية باعتبار أن محكمة استئناف القاهرة تتبع محليا محكمة جنوبالقاهرة. ويلاحظ ان اختصاص قاضي الأمور الوقتية هنا هو اختصاص نوعي متعلق بالنظام العام, ولايجوز معه القول بأن المشرع عقد ايضا في المادة194 مرافعات الاختصاص بإصدار أوامر علي عرائض لمحكمة الموضوع, لأن ذلك حال نظرها للدعوي, وليس بعد اصدارها لحكم منه للخصومة فيها. وانقطاع صلتها بها. كما لايجوز الاحتجاج بالرأي الذي ذهب إلي أنه إذا كانت الدعوي الموضوعية تدخل في الاختصاص النوعي لمحكمة متخصصة, اختصت دون غيرها بإصدار الأوامر المتعلقة بها, باعتبار أن هذا الاختصاص ينعقد لها قبل رفع الدعوي أو اثناء نظرها, وليس بعد الفصل فيها. فضلا عن ان اختصاص قاضي الأمور الوقتية برصدار أمر لقلم كتاب بوضع الصيغة التنفذية من عدمه, هو اختصاص عقده له المشرع دون غيره ولم يشرك معه فيه محكمة الموضوع. نعود ونقرر أن الإعمال الصحيح لنصوص القانون بشأن قواعد تنفيذ الأحكام القضائية يؤدي إلي النتائج التالية: 1 ان حكم الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة في دعوي النائب العام السابق, هو حكم ابتدائي لصدوره من محكمة أول درجة في نظام قضائي خاص قرره المشرع لدعاوي رجال القضاء واعضاء النيابة العامة. 2 ان الحكم المذكور لايتمتع بأي قوة تنفيذية لسببين. أ انه حكم ابتدائي غير مشمول بالنفاذ المعجل. ب عدم انقضاء الميعاد المقرر للطعن علي هذا الحكم وهو ستون يوما من تاريخ صدوره أمام الدائرة المدنية والتجارية بمحكمة النقض. 3 ان الدائرة المدنية بمحكمة استئناف القاهرة التي أصدرت الحكم لا ولاية لها بعد اصدارها الحكم في موضوع النزاع المطروح عليها للنظر في أمر تنفيذه, ليس فقط في حالة عدم شموله بالنفاذ المعجل, بل ايضا في حالة ما إذا كانت المحكمة قد شملت حكمها بالنفاذ المعجل, لاستنفادها ولاية التعرض للنزاع موضوعيا أو إجرائيا. 4 ان امتناع قلم كتاب محكمة الاستئناف عن وضع الصيغة التنفيذية صادف صحيح القانون, لعدم تمتع الحكم بالقوة التنفيذية, لا العادية( قوة الأمر المقضي), ولا المؤقتة( النفاذ المعجل). 5 ان المختص الوحيد بالتعرض لأمر امتناع قلم الكتاب عن وضع الصيغة التنفيذية هو قاضي الأمور الوقتية اعمالا للمادة182 مرافعات باعتباره المختص نوعيا بأمر قلم الكتاب بوضع الصيغة التنفيذية شريطة ان يكون الحكم نهائيا متمتعا بقوة الأمر المقضي او مشمولا بالنفاذ المعجل والحكم المطروح لا هذا ولا ذاك. الأمر هو التأكيد ليس فقط علي ضرورة احترام القانون ونصوصه, وإنما ايضا احترام المباديء والاعراف القانونية المستقرة, بعيدا عن ثمة ميول سياسية او اغراض حزبية.