ستظل البطالة الخطر الحقيقي الذي يهدد أمن الفرد والمجتمع; لأن زيادة العاطلين تهيئ الظروف لتنامي معدلات الجريمة الغامضة والأمراض النفسية والغضب الدائم, وهي كما يقول الخبير الاقتصادي حسين شحاتة:'أشر شر يهدد الإنسانية', إذ يجعل شخصا رغم حاجته إلي العمل وقدرته عليه عاجزا عن الإنفاق علي مطالب الحياة وحماية نفسه من الإحساس بهذا العجز والفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي, بل ويعيش أسير تحطم نفسيته ومعنوياته. لذلك كانت الأرقام التي أعلنها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أمس بمثابة إنذار لقنبلة موقوتة تتعدد سبل انفجارها في أي وقت بل ويتزايد خطر الانفجار لارتباطه بالظروف الاستثنائية التي تمر بها مصر علي كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الخطورة ليست في زيادة أعداد العاطلين في2012 إلي3.4 مليون عاطل بنسبة7,12% ولكن في تفاصيل خريطة العاطلين في مصر التي تضمنت أن21.9% منهم سبق لهم العمل وهذا يشير إلي خطورة تأثيرات الظروف التي تمر بها البلاد وغلق العديد من المشروعات أبوابها في وجه الباحثين عن العمل جراء افتقاد التوصل إلي رؤية اقتصادية متكاملة تتعامل مع الواقع المصري بمنظور البحث عن حلول بدلا من المتاجرة بالوهم في معدلات النمو والنهضة الاقتصادية التي ما تزال تشبه الحمل الكاذب رغم مرور أكثر من تسعة أشهر علي بداياتها الشرعية. ويزيد من ضبابية خريطة البطالة أن العاطلين في الفئة العمرية الأقل من30 عاما يمثلون77% وهي السن التي تقود صاحبها إلي تحويل قدرته علي العمل والبناء إلي قوة مضاعفة في الهدم والتدمير والاضطرار إلي تصديق ما لا يريد والإيمان بما لا يقتنع. ولا أقول ذلك نيلا من نظام حاكم, ولا إدارة اقتصادية مصابة بالعجز التوظيفي والعقم الاستثماري, ولكن للرسوب المتعمد والغياب القسري عن إيجاد حل لتشغيل حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية الذين يستحوذون علي أكثر من75% من مقاعد البطالة خاصة في الحضر; إذ بمقدور صناع القرار الاستفادة من تجارب دولية حققت نجاحات في ترويض البطالة كالهند التي ركزت علي تطوير التعليم الفني وتغيير المناهج, وكوريا التي دعمت شركاتها التي توظف راغبي العمل, وألمانيا التي قدمت مزايا تدريبية وضريبية وتأمينية لشركاتها, وبلجيكا التي وفرت الوظائف المؤقتة والإجبارية للمؤهلات الفنية, ونيوزيلندا التي منحت مقاعد المقصرين وظيفيا للجادين أداء وتدريبا,وأيرلندا التي ربطت مواجهة البطالة بسياسات الاقتصاد الكلي. ويمكن للدولة أن تبدأ علي الفور برنامجا قوميا للتدريب التحويلي للخريجين بشكل جاد واحترافي, بمشاركة الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني; لتأهيل كل عاطل لمتطلبات سوق العمل- وهي كثيرة- ولا تجد التخصصات التي تبحث عنها, وتوعية العاطلين بثقافة العمل دون التقيد بالمؤهل الدراسي, خاصة أولئك القادرين علي العمل والراغبين فيه والباحثين عنه, ودون ذلك لن يتمكن أحد من إبطال مفعول انفجار العاطلين.