أصبحت وتيرة الأحداث لدينا غير منتظمة بل أنها تأتي علي نحو مفاجئ وذلك ليس بالغريب في ظل أجواء الانفلات التي نعيشها منذ الثورة وعلي رأسها الانفلات الأمني.. وقد يكون هو الأوضح وهو نقطة التماس مع كافة أشكال الانفلات السلوكي والسياسي وكذلك الاقتصادي.. هناك حالة من الضجيج الذي قد لا نستطيع معه أن نميز ما بين الأصوات وكذلك الأحداث وفي وسط ذلك الضجيج تضيع أصوات العقلاء وتصبح خافتة كصوت العصفور ومع ذلك فلابد وأن ننصت إليها فهي تحوي الحكمة التي عادة ما تضيع وسط الصراخ والعراك والحكمة معروف أنها بناءة وخلاقة وهي لا تهدم أو تدمر بل تشيد وتبني وتعمر وهي تمتلئ بالتسامح والقدرة علي التعايش فهي رباط المحبة والتآلف بين الناس.. تنبذ التعصب أيا كان نوعه وتؤكد علي أن الغضب وإن كان جائزا فهو في النهاية غير مرغوب فيه لأن الفكر الذي يترتب علي الغضب أو الذي يخرج وقت الغضب هو حماقة وجهالة يمكن أن تصب ليس الآخرين ولكن علي من يصدر منهم ذلك الفكر.. قد يقول قائل هل هذا هو الكلام الذي يليق بما حدث وهل ذلك علي مستوي ذلك الحدث المأساوي والدرامي وكذلك تلك السابقة الخطيرة والتي تعد الأولي من نوعها وهي الاعتداء علي الكاتدرائية رمز المسيحية والتي لها مكانة كبيرة في قلب كل مسيحي. وحتي لا نخطئ التعبير في ظل جلبة الأحداث في قلب كل مصري.. في كثير من الأحيان نحتاج إلي أصوات العقل الذي قد يغيب في ظل هذه الأحداث الدامية ولكن لابد وأن يكون حاضر حتي وإن إصطدم مع المشاعر المجروحة والقلوب المصداقة التي أدماها الحزن والنفوس المجروحة ولكن ذلك لايجب أن يغيب الحقائق والثوابت عن عيوننا والتي بدأت بالفعل تهتز وذلك هو المقصود تحت تلك الضربات المقصودة والمتعمدة والتي يزداد تأثيرها في ظل هذه الحالة من الضبابية التي نعيشها. ولكن في النهاية تظل تلك الحقيقة وهي أن الطوفان إذا ما أتي سوف يجرف الكل في طريقه ولن يستثني أحدا سوف يجرف مصر ويضيعها وذلك ما يجب أن نكتم صراخنا ونكبح جماح مشاعرها المكلومة.. ما حدث في الخصوص حتي لا نخطئ في توصيف الأحداث هو أمر بالنسبة لطبيعة مثل هذه المنطقة العمرانية وتركيبتها يمكن أن تقع فيها مثل هذه الأحداث التي تتسم بالعنف والتي من السهل أن تقع فيها خسائر في الأرواح ولو كانت ما بين مسلمين ومسيحيين لأن التركيبة النفسية والسلوكية واحدة ونعرة التعصب في الاثنين واحدة وجذوتها مشتعلة.. ولكن من المؤكد أن اختلاف طرفي الواقعة الديني وكما هو الحال في سائر الأحداث يجعل من السهل تدثيرها بعباءة الطائفية. قد يكون هناك بالفعل حالة من الاحتقان الطائفي الذي ليس منذ الآن فحسب أي فيما بعد الثورة ولكن من قبل وهناك العديد من الأحداث المتفرقة والمؤلمة وكانت كلها تدور في إطار إجتماعي ولكن يتم طأفنته بسهولة نتيجة حالة الاحتقان الطائفي الذي تغذيه روافد عديدة داخلية وخارجية.. ولكن أيا كان الأمر فهو قد صار أحد المعطيات والمتغيرات الفاعلة وذات التأثير في المجتمع والتي لا يجب إغفالها ولكن لا يجب أن نشجعها أو نرخي لها الحبل والزمام فهناك من يعملون ورائها.. فالطائفية كانت ولازالت منذ العصور الاستعمارية أحد الأدوات التي تسيل لعاب العديد من القوي ذات الأغراض والأجندات لكي ما تكرسها وتدق عليها وبقوة.. قد تتعدد الأسباب وقد تشير الأصابع إلي العديد من الأطراف ولكنها سوف لا تكون دقيقة إذ في ظل هذه الحالة الضبابية يمكن أن تختلط الأمور علينا ويصعب الرؤية فقد يكون هناك أطراف مباشرة أو متهمين أي من قاموا بالفعل أو التصرف الذي ترتبت عليه هذه الجرائم والأعمال الدموية العنيفة ولكنها لا تبين المتهم الحقيقي الذي يقف وراؤها ويدفع إليها ويخطط لها وتلك حقيقة.. فهؤلاء ما هم إلا أدوات أو قد دفعوا إلي ذلك الموقف بالمصادفة أو هناك من دفعهم ولو علي نحو غير مباشر وهنا يبدو من الظاهر أنها أحداث طائفية فالدماء التي سالت والضحايا الذين وقعوا هم من المسيحيين وإن كان بينهم مسلمون أو مسلم واحد وهو عادة ما يقع ويحدث كما كان الحال في أحداث نجع حمادي وعادة ما تكون الأسباب واحدة أو معروفة. أما قصة هروب فتاة مسلمة مع قبطي أو العكس أو الاعتداء علي فتاة مسلمة أو حتي بناء مبني خدمات وتحويله لكنيسة ثم يتم تهييج الأهالي بفعل فاعل والذين لديهم حالة من الاحتقان الطائفي والتعصب لدي الطرفين لذلك من السهل أن تقع الأحداث.. ذلك هو الجديد والغريب الآن في مصر فهو يختلف عن المعتاد من السلوك المعيشي والحياتي والتفاني والمورث الاجتماعي ما بين المصريين الذين يعيشون منذ مئات السنين في حياة متفردة كشعب متفرد من الصعب وصفه بالطائفي وكافة المحاولات التاريخية لزرع الطائفية كان مصيرها الفشل وسجلت صفحات رائعة في الوطنية من جانب الأقباط والمسلمين وقد كانت ثورة(1919) نموذجا تاريخيا واقعيا قد تكرر وكما يري البعض علي نحو أقوي في ثورة25 يناير(18 يوما الأولي) التي شهد عليها ميدان التحرير حيث كان المسيحيون من الفتيات يصبون المياه للمسلمين ليتوضأوا ويحرسونهم أثناء الصلاة وكانت كنيسة قصر الدوبارة تفتح أبوابها للسيدات ليؤدوا الصلاة فيها ذلك كان نتاج الثورة بمختلف أطيافها وهذا ما يدفعنا أن نحكم صوت العقل من هم الذين كانوا في الميدان أليسوا المسلمين والمسيحيين الشعب الواحد الذي مصدر وحدانيتهم أختلاف الدين والذي صار عاملا إيجابيا وفعالا في توطيد أواصر وطنيتهم وإظهار وحدتهم ذلك هو الوضع الطبيعي. وما عداه مما نراه هو المفتعل بفعل حالة الاصطفاف الطائفي الذي بدأ يأخذ صورة التلقائية في بعض المجتمعات العشوائية والتي يتدني فيها المستوي الثقافي ولكن الأمر في النهاية لابد له من معالجة فهو كالمرض الذي يتطور ونحن لا نريده أن يصل إلي مراحل متأخرة يصعب علاجها أو السيطرة عليها بل أنها يمكن أن تقضي علي الجسد( الوطن) وتجعله يفقد حياته. نعم لقد كان الاعتداء بمثابة حادثة غريبة وجرح غائر لدي الأقباط وسابقة ليست بالعادية بل يري فيها الكثير من المراقبين إنها سابقة خطيرة.. ولكن علينا أن نسرع بمعالجة الأمور وأن تتخذ الإجراءات الوقائية والعلاجية والتي تبدأ من تقصي أسباب المشكلة ورصد ما هو الجديد والذي قد يكون من الصعب رصده فالأسباب ليست فقط الاختلاف العقائدي أو حتي الاحتقان الطائفي التي تذكيها الظروف الحالية الحرجة التي تمر بها البلاد في ظل غياب أمني وعدم الانتهاء من ترسيخ بناء المؤسسات الأساسية ولكن هناك الأسباب الاقتصادية التي يجب أن نلتفت إليها ولا نقلل من دورها في ترسيخ هذه الأحداث وجعل هناك حالة من التهيؤ التلقائي لها في المجتمع وتوقع المزيد منها. لايكفي في هذه الحالات أن توجه الاتهامات لبعضنا البعض وننهمك في تحديد من هو المذنب فقد يكون هناك مذنبين بالتأكيد, ولكن الأهم من هذا وذاك أن ندرك المحصلة النهائية إذا ما تمكنت الطائفية ونجحت والظروف الآن مهيأة لكي ما تصبح كنوء عاصفة التي تعصف بسفينة الوطن وتغرقها في لججها ولن يستطيع أحد أن يقفز منها وينجو بنفسه بل الكل سيغرق في قاع البحر ولا منقذ أو مدرك لذا ما أحوجنا إلي الحكمة وإلي إحتمال الألم بصبر وإيمان وقمع كل رغبة للانتقام بل المزيد من الإيمان بالله ووطننا لكي ما نقطع الطريق علي ذلك المفترس وننجو بأنفسنا من بين فكيه القاتلين وهي الحرب الأهلية. دكتوراه في العلوم السياسية رابط دائم :