قبل أن توجه إلي الاتهامات أعترف وأقر و أؤكد أنني مع كل المطالب التي يطالب بها أي مواطن في هذا البلد من أجل إما رفع الأجور بشكل عام أو رفع الحد الأدني للأجور, ولكن ما أطرحه هنا هو المطالبة بوقفة علمية وعادلة للنقاش حول هذين المفهومين. ولنبدأ بمسألة رفع الحد الأدني للأجور, وأطرح هنا التساؤل حول الهدف الذي ينبغي العمل من أجله, هل هو مجرد رفع الحد الأدني للأجور بشكل مطلق دون النظر إلي الأسلوب الأمثل لفعل ذلك, وتبعات لرفع غير المدروس, أم أن الهدف يكون رفع الحد الأدني للأجور بشرط ربطه برفع الحد الأدني للإنتاجية, قبل أن أحسم موقفي من أي من الاتجاهين أود في البداية أن نحاول معا استيضاح مدي تأثير اتخاذ قرار بالرفع العشوائي للحد الأدني للأجور. المقصود بالحد الأدني للأجور هو أول أجر يحصل عليه الشاب الداخل إلي سوق العمل لأول مرة وهذا القادم الجديد يمتلك من المقومات والمهارات الحد الأدني المطلوب, أي أنه في أدني درجات الكفاءة المطلوبة, إذا ما تقرر رفع الحد الأدني بقرار فهذا يعني ببساطة أن عددا كبيرا من هؤلاء العاملين سوف يتم الاستغناء عنهم لأن تكلفتهم في الأجور في هذه الحالة سوف تكون أكبر من كفاءتهم, وبالتالي فإن الأقرب للحدوث هو الاستغناء عن هذه العمالة التي كانت تعمل لأنها رخيصة التكلفة, ولكن بزيادة كلفتها من ناحية الأجر فإن هذا يعني أن الاستغناء عنها يكون هو القرار الاقتصادي الأقرب, هذا يعني ببساطة أن نسبة البطالة سوف تقفز تلقائيا وبشكل كبير. الطرح التالي هو ربط الحد الأدني للأجور بالحد الأدني من الإنتاجية, وهذا الربط هو الأكثر عقلانية واستقرارا, ولكن كيف يحدث هذا؟, هنا أظن الطريق الصحيح للنقاش, الحد الأدني للانتاجية يعني ببساطة كم ينتج العامل في الساعة أو اليوم أو الشهر, وهل الأجر الذي يحصل عليه أكبر أو أقل من هذا الناتج, فإذا كان أكثر فهذا يعني أن المعادلة الاقتصادية سليمة, و إذا كان أقل فهذا يعني أن هناك خللا. إذن المطلوب أن تعمل الدولة بمؤسساتها المختلفة علي رفع كفاءة كل من يدخل إلي سوق العمل, وهذا يعني برامج تدريب في كل المجالات من أدني المستويات إلي أعلاها, هذا يؤدي ببساطة إلي ارتفاع كفاءة الداخل الجديد إلي سوق العمل وهذا يعني رفع انتاجيته وهذا يعني بالتبعية أن رفع الحد الأدني للأجور لن يكون سببا في اختلال المعادلة الاقتصادية, بل سيكون عائدا طبيعيا لزيادة الإنتاج. هنا السؤال الآخر, هل نحن مستعدون لأي من الخيارين في هذه المرحلة, ظني أن مزيجا من الخيارين في المرحلة الأولي هو الخيار الأكثر واقعية, الرفع المحدود للحد الأدني للأجور مرتبطا ببدء إجراءات حقيقية وملموسة لبرامج تدريب مدروسة تشارك فيها كل مؤسسات الوطن الرسمية والخاصة, وهذه هي البداية الحقيقية الصحيحة لهذا الأمر. [email protected]