أمسك الأب بالهاتف ليرد علي الرنين المتواصل وهو يرتجف متمنيا أن يكون هناك من يغيثه علي إنهاء مأساة اختطاف ابنه ذي الأربعة عشر ربيعا, ونظرت الأم تتلهف إلي وجه زوجها رجل الأعمال وهو يضع الهاتف علي أذنيه, وارتعشت شفتاها وتهللت أساريرها وهي تري ملامح انفراج الأزمة تظهر علي وجه الزوج, الذي لم يكن يرد علي المكالمة, وإنما كانت تسقط دموعه, وأنهي الاتصال بقوله الحمد لله واتجهت الأم تتأكد من صدق قلبها الذي ارتفعت دقاته فأخبرها الزوج ودموعه تسبقه بنجاح رجال مباحث القليوبية في فك أسره, وإنهاء كرب الأسرة, وبعودتهم بابنه أبانوب سليما. دفنت الأم وجهها في كفيها تتمتم بالشكر لله, وانتفضت باكية. وعاد الأب بذاكرته كيف مرت عليه أيام السواد والحسرة الماضية التي بدأت باتصال هاتفي في الصباح ينزع قلبه بأخباره باختطاف نجله في عملية أثارت الرعب, ونشرت الذعر أمام كنيسة الأنبا بولا في شبرا الخيمة, وقفزت أمامه أقوال الدجالين والعرافين الزاعمين علمهم واستطاعتهم الإتيان بالصغير, وكيف أتوا بالعديد من الأطفال وأجلسوهم أمامه وقرأوا عليهم ما قرأوه وعادوا يسألون ماذا يرون أمام أعينهم ساعات وأيام من الأمل والعذاب وشقاء لا تنسي, حتي وصل الأمر إلي إعطاء أحد العرافين عقد شقة سكنية و2000 جنيه, بعد قسمه الإتيان بالطفل في ساعات معدودة. الأهرام المسائي اقتربت من المنطقة التي تزدان جدران منازلها بالمصابيح الكهربائية, أما منزل أبانوب فقد تحول إلي درة وقبلة للمهنئين بعودة الغائب, وجلسنا داخل المسكن بين أفراد الأسرة وأحباب أبانوب نشارك الجميع فرحة عودة الابن الغائب, وبدأت عبارات التهنئة تهدأ ويحاول الجميع الصمت والإمساك عن الحديث انتظارا لحديث الأم التي تحاول السيطرة علي مشاعرها ولا تهدأ أنفاسها من كثرة دخول أحبائها وأقاربها المهنئين المقبلين لرأسها وجبينها, وارتشعت شفتاها في بداية حديثها قائلة: لم يغمض لي جفن منذ أن غاب صغيري, وكان قلبي يحدثني دائما أنه سيعود, ولم تتمالك نفسها من البكاء وعادت تفتح عينيها التي استحال لونها إلي لون الدم من الاحمرار وهي تقول: لم تنم جدته, ولم يسكت نحيبها من الحزن, فأبانوب هو آخر العنقود, ولم يسكت لساني عن صراخي خذو عمري ورجعولي ابني, واليوم ما إن سمعت بعودته حتي عادت إلي حياتي وروحي من جديد, وعادت للبكاء من جديد وهي تقول: ربنا يكرم ضباط القليوبية اللي رجعوا لنا الفرح من جديد, واستقبلنا الأب بتقبيل يده ومسح بهما وجهه وهو يقول: غبت عن الوعي, وسقطت علي الأرض أول ما جاءني المخبر وكنت أستقبل المكالمات الهاتفية في شكل آلي وأنا أؤكد خبر اختطاف ابني, وشعرت أنني سلبت قلبي وجزءا اجتزئ مني, وعاد يقف يحتضن المهنئين بعودة الصغير وهو يقول: في المكالمة الثانية زاد الخاطفون من طمعهم ورفعوا الفدية مليوني جنيه, وكانت أسوأ لحظات عمري عندما أسمعوني ولدي وهو يصرخ الحقني يا أبي سيذبحوني, وشعرت أني أتقطع وأموت ببطء. وأضاف: في المرة الثالثة هزني اتصال يحذرني من الاتصال بالشرطة, وترددت في التصرف الأفضل, وهنا لا يفوتني أن أشكر رجال الشرطة وأشيد بذكائهم, في التعامل مع الأمر, وبالحفاظ علي حياة ابني طوال الوقت, وأشيع أنهم يفحصون واقعة إطلاق النار أمام الكنيسة, واستكمل حديثه قائلا: بالرغم من إصراري علي عدم دفع أي مبالي والخضوع لهم, تمكنت الشرطة من إعادة ابني حيا بعد شكي في كل من حولي. وبوجه مازالت علامات الشحوب تخط ملامحه, بالرغم من ابتسامته وهو يرد علي أحبائه قال الطفل أبانوب أشرف الخواجة, الطالب بالصف الأول الإعدادي: حاسس إني بحلم, واعتدل في مقعده داخل مكتب اللواء محمود يسري مدير أمن القليوبية, وهو يقول: كنت أسير أمام الكنيسة معي صديقي ففوجئت ببعض أشخاص يظهرون فجأة أمامنا وسألوا صديقي إن كان اسمه أبانوب أشرف, فأشار إلي, ففوجئت بمن يمسك بي ويرفعني من علي الأرض في سرعة ملقيا بي داخل سيارة تاكسي وبداخلها ضربوا رأسي أكثر من مرة في جانب الباب المعدني حتي شعرت برأسي تدور, وانطلقت السيارة تنهب الأرض في سرعة جنونية في الطريق الدائري, وأكمل قائلا: وضعوني في بداية الأمر في غرفة مظلمة داخل مزرعة لا يحدثني مخلوق, ولا يطعموني إلا بسكويت, ونقلوني في الأيام الأخيرة إلي مكان آخر. واستكمل والابتسامة تعلو وجهه: دق قلبي ما إن طرق الباب أمس, وتوقعت حضور رجال العصابة من جديد, ولكني فوجئت بضباط العمليات الخاصة يرحبون بي ويضعونني في مدرعة الشرطة حتي رجعت إلي أمي وأبي. رابط دائم :