منذ تحطمت الحواجز الثقافية وذابت خصوصيات الشعوب في شبكة الاتصالات المذهلة صار الحديث عن المرأة مثيرا للجدل العقيم أو الحوار الساخن, فلا يكاد ملف المرأة يفتح في شأن من شئونها الخاصة أو العامة حتي يتحول الأمر إلي حرب لسانية تديرها أقلام مشحونة بردود أفعال شخصية أحيانا وإيديولوجية في معظم الأحيان, وكأن المرأة صارت في حياتنا منطقة ملغومة لا يجوز الاقتراب منها بحسن نية أو قصد وأحيانا نتصورها في حوارنا مخلوقا جديدا هبط علينا من عالم آخر لا نعرف عنه شيئا, فإذا تحدثنا عن علاقة المرأة بالرجل اشتبكت الألسنة والأقلام في خصومة لا تصل إلي غاية, وإذا دار الحوار حول عمل المرأة وقعنا في جدلية لا يحسمها قرار, وإذا انفتح ملف الحرية في سلوك المرأة وممارساتها وجدنا أنفسنا أمام سيل متدفق من المفاهيم المتخاصمة فيغيب التوسط والاعتدال في لغة الحوار, وإذا جري الحديث حول حقوق المرأة وواجباتها أو عواطفها وإنسانيتها فقدنا منطق العقل والحكمة بين فريق يغالي في التشدد إلي درجة التفريط وفريق يبالغ في الترخص والابتذال إلي درجة الإفراط. وفي هذه الأجواء الصاخبة قد لا يلتفت الناس إلي كلمة العقلاء في الدعوة إلي التوسط بين رذيلتي الإفراط والتفريط, وأحيانا نبيح لأنفسنا أن نضع المرأة في الشرق الإسلامي في متاهات المقارنة بينها وبين المرأة الغربية في واقعها المعاصر, وربما يغيب عنا في هذه المقارنة المهينة أن المرأة كالرجل لا يصلح كلاهما أن نجعله نموذجا نمطيا تلغي فيه الفوارق الأخلاقية والنفسية بين البيئات والشعوب. وخلاصة المشكلة أن حوارنا حول المرأة شبيه بحوار الطرشان نقول ولا نسمع وإذا سمعنا أعرضنا وقد نتصايح بالأصوات العالية حتي لا نسمع الآخر وفقدنا لغة التواصل في أي حديث يدور حول المرأة. ثم ظهرت الوثيقة التي أصدرتها مفوضية المرأة في المنظمة الدولية ودار الحوار حولها في مصر خلال الأسبوع الماضي, وأعلن الأزهر رفضه لها لما اشتملت عليه من بنود كثيرة تخالف صريح الإسلام وفيها امتهان لكرامة المرأة الحريصة علي آدميتها. ولكن المشكلة في أن هذه الوثيقة طرحت علينا في مرحلة صراع سياسي ووطني جاوز كل معقول ومقبول في عمليات التربص والتلصص والمكيدة وصار كل شيء مباحا في لغة الحوار والجدل بين الأحزاب المناوئة والتيار الإسلامي الذي أعلن رفضه للوثيقة وأنكر بنودها بعد دراسة, ولكن يبدو أن رفض الوثيقة فتح أمام المناوئين نافذة لإطلاق السهام علي خصومهم السياسيين فجاءت المقالات والآراء شبيهة بردود أفعال مشحونة بغضب يغلب عليه الطابع السياسي حيث تعودنا أن نجعل من كل حوار يدور حول المرأة مخلب قط لتشويه الوجه الإسلامي في منافساته الديمقراطية, وقد ظهر هذا منذ البداية كما ظهر الحوار حول الوثيقة في شكل تصفية حسابات مع الحزب الذي قرأ بنود الوثيقة وأنكرها. وأسوأ حوار يدور بين طرفين هو الحوار الذي لا يسمع فيه أحد الطرفين الآخر ولا يقبل له رأيا كحوار الطرشان الذي ألفناه في مصر منذ بدأت كوارث السياسة تهبط علي المصريين فلا تصيب إلا المسالم.. ومهما تكن ردود الأفعال حول الوثيقة فلا أري فيها ما يعد مفاجأة لنا فأكثر بنودها جاء تعبيرا طبيعيا عن سلوكيات مألوفة ونظم تعارف عليها المجتمع الغربي خلال عقود طويلة بل صارت عندهم واقعا معترفا به في قانون الحريات الذي اتسع لإطلاق الغرائز في الممارسات الجنسية عند كل تشريع يوضع للرجال والنساء والشباب في سن البلوغ.. وأعتقد أن طبيعة المرأة في المجتمعات الشرقية إجمالا تجعلها نافرة من البنود التي جاءت في الوثيقة إما بحكم تدينها, أو بتكوينها النفسي والخلقي وإما بفضيلة الترابط الأسري الذي يعد قلعة حصينة في حماية المرأة, وخوفها من العار الذي يلطخ شرف الأسرة إذا أباحت لنفسها أن تكون مجرد جسد عابث.. ولهذا فشلت محاولات كثيرة خلال أعوام طويلة في استدراج المرأة المصرية إلي هذا المستنقع الذي تدعو إليه بنود الوثيقة( والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما)27 النساء. رابط دائم :