الإسلام دين أمن وسلام, يعلي من قيمة المال العام والخاص, ويحرم الاعتداء عليه, ويجرم الإفساد في الأرض, ويشدد العقاب علي المفسدين, ومع هذا فلا يمر يوم دون استهداف منشآت عامة أو خاصة, قبل أيام قليلة أحرق شباب غاضبون مقر اتحاد الكرة ونادي الشرطة, وتم التعدي علي مطاعم ومحال تجارية مملوكة لمواطنين, وأصبح قطع الطرق وتعطيل مصالح الناس أمرا معتادا, وانتشرت جرائم السطو المسلح, مما يلقي بالعبء الأكبر علي رجال الدين, لتبصير المعتدين بخطورة وإثم ما يقومون به, كما علي دور كبير في أحتضان أبنائه وتوفير سبل العيش الحلال لهم. ويقول د. منير جمعة الأستاذ بكلية الآداب بجامعة المنوفية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: الشريعة الإسلامية حرمت الإفساد في الأرض بكل صوره وأشكاله وليس الاعتداء علي الممتلكات العامة فقط ولذلك قال الله تعالي ولا تعثوا في الأرض مفسدين. وجعل الإسلام الفساد في الأرض من صفات غير المؤمنين الذين يحاربون الإصلاح ويدعون أنهم مصلحون فقال الله تعالي: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون فحماية الممتلكات العامة بل والخاصة والمحافظة عليها إحدي الضروريات الخمس التي أوجب الإسلام الحفاظ عليها وحرم الاعتداء عليها أو سرقتها وأوجب العقاب علي من يعتدي عليها, وإيقاع هذا العقاب مسئولية ولي الأمر باعتبار المسئول عن توفير الأمن والأمان للمواطنين. والإسلام أوجب الحفاظ علي الممتلكات العامة أو المال العام بل إنه جعل الضمان بالمثل أو القيمة في حال إتلافها كلها أو بعضها, وحفظ الحق في مطالبة المعتدي بإصلاح ما أتلفه, لأنه حق لا يسقط بالتقادم بل يلزم التعويض عما أصابه من ضرر بسبب هذا الاعتداء بل إنه أوجب عقوبة رادعة في حالة سرقتها أو إتلافها. ولا يشك عاقل في أن جميع أبناء الوطن لهم حق في المال العام وأنهم يعتبرون ملكا لهم, وأن من أؤتمن علي هذا المال فأخذ منه شيئا فلا شك أنه معرض نفسه لسخط الله فما بالنا بمن يعتدي عليها بالحرق أو النهب والسرقة بل انهم يدخلون في الذين قال فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة. وقال في حديث آخر إن هذا المال خضرة حلوة من أصابه بحقه بورك له فيه ورب متخوض فيما شاءت به نفسه من مال الله ورسوله ليس له يوم القيامة إلا النار. والمحاسبة ليست للقائمين بالاعتداء علي الممتلكات العامة فقط وإنما تمتد إلي كل من يعاون المفسدين أو يحرضهم بالقول أو المال لإثارة أعمال النهب والسرقة للممتلكات, والمؤسسات والمرافق العامة لأن هذا أمر محرم لا يجوز لأي إنسان أن يقره أو يطالب بالسكوت عليه مهما كانت الأسباب أو المطالب لأن معالجة خطأ أو المطالبة بحق ما لا يكون بتدمير أو سرقة أو نهب أو تخريب للمؤسسات والمرافق والممتلكات العامة لأنها ملك للمجتمع بل إنها قوام الحياة اليومية وبها يتم تسهيل أمور الناس وبالتالي فإن الاعتداء عليها من قبيل الإفساد في الأرض وتعطيل مصالح الناس. ويقول الشيخ وائل عبد المطلب الخطيب بالأوقاف: لا شك في أن ظاهرة البلطجة والفوضي التي تشهدها مصر الآن, وانتشار وشيوع مظاهرها, المتمثلة في ترويع الآمنين الأبرياء, وسفك الدماء, ونهب الأموال, واستهداف مرافق الدولة, وتعطيل مصالح الناس, والاعتداء علي الممتلكات العامة والخاصة تتنافي تماما مع تعاليم الإسلام, وكذلك مع كل الشرائع السماوية, ومنظومة القيم الإنسانية. والرسول صلي الله عليه وسلم بين أن من علامات المسلم التي يستدل بها علي إسلامه: هي أن يسلم المسلمون من لسانه ويده, وأن يأمنوا علي أنفسهم وأموالهم, فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: تدرون من المسلم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. قال: تدرون من المؤمن؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: من أمنه المؤمنون علي أنفسهم وأموالهم, والمهاجر من هجر السوء فاجتنبه. فالمسلم الحق هو الذي يكف لسانه ويده عن الناس, فلا يروع الآمنين منهم, ولا يعتدي علي حرماتهم, ولا ينهب أموالهم, ولا يعطل مصالحهم, ولا يصل إليهم منه إلا كل خير, وقد تعامل الإسلام مع هذه الظاهرة بكل حسم وحزم, واعتبرها إفسادا في الأرض, وسن عقوبات رادعة للمتورطين فيها, لتكون زجرا لغيرهم, فلابد من حل رادع لإنهاء هذه الظاهرة, وإعمال القانون, حفظا لأمن الوطن والمواطنين, وحفاظا علي هيبة الدولة, وعلي الجميع أن يقوم بواجبه لإنهاء هذه الظاهرة, فعلي الدعاة والعلماء القيام بواجبهم في التوعية والإرشاد, ونشر القيم والفضائل في المجتمع, ودعوة الناس للتعامل الإيجابي مع هذه الظاهرة والتصدي لها, وعلي الإعلام القيام بدوره في إبراز خطورة البلطجة علي مستقبل الوطن وفضح المتورطين فيها, مع قيام الأجهزة الأمنية بدورها في حفظ الأمن وتأمين الممتلكات العامة والخاصة. ويقول الشيخ سعيد الجزار, الباحث في العلوم الشرعية: نهي الإسلام عن الاعتداء علي الإنسان أو التعرض له بالإيذاء في نفسه أو ماله أو عرضه, واعتبر ذلك فسادا في الأرض, وشرع كل الوسائل المؤدية إلي المحافظة عليه فحرم حتي مجرد ترويعه وإخافته فقال صلي الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلما وحذر المسلم من مجرد الإشارة لأخيه المسلم بالسلاح وجعل ذلك سببا كافيا للعنه. ويقول د. عبد الرحمن يوسف إمام المركز الإسلامي في فرانكفورت وعضو لجنة الفتوي بالأزهر الشريف: نحن أمام ظاهرة تعكس ترسبات وتحديات من مخلفات النظام البائد, فهناك شريحة في المجتمع تري أن استعمال العنف وممارسة الترهيب والبلطجة مغنما وموردا للاسترزاق, والبلطجة أمر يحدث منذ القدم, ولم يخل من وجوده, لكن المفزع هو وجوده بكثرة في مصر الآن وفي فترة حساسة يمر بها الوطن, ألا وهي مرحلة التحول الديمقراطي لبناء مصر الحرية والكرامة والعدالة. ويضيف د. عبد الرحمن أن عمليات السرقة والعنف تكثر في ظل غياب الأمن, فهذه فرصتهم الذهبية, وهنا نؤكد ضرورة عمل الشرطة وفق القانون واستشعارهم المسئولية عن حماية المواطنين والممتلكات, ويأتي دور رجال الدين وعلماء المسلمين, في توعية الناس, وحث مرتكبي العنف علي العودة إلي رحاب الله, فهم في نهاية الأمر جزء من المجتمع, حتي وإن أساءوا التصرف رابط دائم :