هناك جدال لا ينتهي حول العلاقة بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية. وتثير دراسة الجوانب الاقتصادية للديمقراطية تساؤلين رئيسيين: أولهما, يتعلق بأثر الأوضاع الاقتصادية علي التحول الديمقراطي. وبعبارة أخري, ما إذا كانت هناك شروط اقتصادية لقيام نظام ديمقراطي في بلد ما واستمراره أما ثانيهما, فيتعلق بأثر التحول الديمقراطي علي التطور الاقتصادي. وبصفة خاصة ما إذا كان الأخذ بنظام ديمقراطي في الحكم يؤثر علي النمو الاقتصادي والعدالة التوزيعية, سلبا أو إيجابا؟ وفيما يخص الجانب الأول( تأثير الأوضاع علي الديمقراطية) فقد خلص بعض الدارسين من مدرسة التحديث في ثوبها الكلاسيكي, إلي أن هناك ارتباطا طرديا بين الديمقراطية وعدد من مؤشرات مستوي التطور الاقتصادي, أهمها حجم الثروة والتصنيع والتحضر والتعليم. وفسروا ذلك بأن التنمية الاقتصادية تتضمن ارتفاع الدخول وزيادة درجة الأمان الاقتصادي التي يتمتع بها الأفراد, وانتشار التعليم العالي, وازدياد الوعي لدي المواطن. وهذه كلها عوامل في صالح الديمقراطية. ومن ناحية أخري, فإن الاقتصاد الصناعي, يصعب حكمه بكفاءة باستخدام وسائل سلطوية مركزية, حيث تستلزم عملية صنع القرارات في هذا الاقتصاد, قدرا أكبر من اللامركزية واقتسام السلطة, وقيام قواعد التنظيم الاجتماعي علي أساس التراضي من جانب المتأثرين بها. هذا فضلا عن اتجاه توزيع الدخول في المجتمعات الصناعية المتقدمة نحو مزيد من العدالة, مما يقلل من حجم الفئات التي تعاني من الفقر المدقع. ومن ثم أهمية التنمية الاقتصادية كشرط مسبق لنجاح التحول الديمقراطي, والتساؤل يدور حول ماهية المستوي المطلوب من التطور الاقتصادي, الذي يجعل التحول الديمقراطي ممكنا, لأن كثيرا من الدول قطعت شوطا كبيرا في التنمية الاقتصادية, إلا أنها في نفس الوقت قطعت شوطا مماثلا في البعد عن الديمقراطية. ولذلك فإن هناك عوامل أخري إلي جانب التنمية, كمحددات للتحول الديمقراطي, وأهمها: الهيكل الاجتماعي, والبيئة الخارجية, والاطار الثقافي( وخصوصا المعتقدات الدينية). وبالنظر إلي الجانب الآخر, المتعلق بأثر التحول الديمقراطي علي التطور الاقتصادي, فإننا نجده محلا لخلاف كبير من الناحية النظرية. حيث يذهب فريق من الدارسين إلي أن هناك تعارضا بين الديمقراطية والنمو الاقتصادي السريع يستلزم نظاما سلطويا, يضحي بالحقوق والحريات السياسية الرئيسية ويؤخر عملية التحول الديمقراطي, لأن من شأن هذه العملية أن تعرقل النمو, ويري أصحاب النموذج السلطوي من ناحية أخري, أن النظم الديمقراطية أقل قدرة علي تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية من النظم السلطوية. وتتحصل حجتهم في أن الآليات الديمقراطية( الانتخابات, وحرية التعبير... إلخ), إنما تزيد في النهاية من النفوذ السياسي للطبقات الغنية التي تستطيع الاستفادة من هذه الآليات أكثر من الفئات الفقيرة التي تطحنها أعباء الحياة, وتعجز عن حماية مصالحها من خلال العملية الديمقراطية بل غالبا ما نجد أن النظم السلطوية أكثر من النظم الديمقراطية قدرة علي حماية هذه المصالح. وعلي العكس من ذلك, فإن أصحاب النموذج الديمقراطي يرون أن الديمقراطية لا تتعارض مع متطلبات النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية, بل قد تكون حافزا لهما. وفي هذا المجال, فإنهم يرفضون بشدة ما ذهب إليه أنصار النموذج السابق. ويضيفون أنه لابد من التمييز من الناحية التحليلية, وبين حاجة الدول النامية إلي هياكل حكومية صالحة للقيام بمسئوليات ووظائف أكبر في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي, وبين الصيغة الديمقراطية للمؤسسات السياسية, وتمتع المواطنين بحرياتهم وحقوقهم العامة الأساسية. بل إنهم يرون ان وجود هذه الصيغة, وتلك الحريات والحقوق, من شأنه أن يولد الظروف الاجتماعية الملائمة لتحقيق التنمية الاقتصادية, ومن ناحية أخري, فإن أنصار هذا النموذج, يرون أن إعمال الآليات الديمقراطية من شأنه أن يقلل من الاختلالات التوزيعية. ويصعب في ظل الديمقراطية تجاهل أصوات مختلف فئات الشعب التي تطالب بحقوقها المشروعة في الموارد. وهناك من ينكر وجود علاقة مباشرة بين الجانبين, ويشيرون في هذا الخصوص إلي وجود عوامل مستقلة أخري بخلاف الديمقراطية يمكن أن تباشر تأثيرات مباشرة علي النمو الاقتصادي وتوزيع الثروة, تتضاءل إلي جانبها تأثيرات شكل نظام الحكم. وقد أثبتت التجارب التاريخية أن الحكومات المنفتحة والمعرضة للمحاسبة والتي تعامل جميع مواطنيها بكرامة وعلي قدم المساواة تحظي بوضع أفضل للتمتع بنمو اقتصادي يعود بالخير والمنافع علي كل فرد في ذلك المجتمع وفي مصر لابد من طرح أجندة سياسية جديدة تعمل علي تأكيد السيطرة الشعبية علي الاقتصاد السياسي. وأن تلجأ إلي التخطيط الاستراتيجي والاستثمار الذي تقوده الدولة في البني التحتية والتعليم والوظائف من أجل استعادة القوة التنافسية, ومعالجة مشكلة التفاوت, وتغليب مصلحة الجمهور الواسع علي مصلحة المخلصين للحزب أو المصالح الخاصة, وإلي أن يتم وضع وتحقيق أجندة من هذا القبيل, فإن أزمة مصر ستستمر. رابط دائم :