قرأت في كتاب للكاتب الكبير مصطفي أمين موقفا عظيما لسعد باشا زغلول ما أحوجنا إليه الآن عندما أدي انتشار سيارات الأجرة في القاهرة الي إضراب جميع الحوذية العربجية في القاهرة, وتوقفت جميع عربات الحانطور..مشي الحوذية في الشوارع متجهين الي بيت الأمة بيت سعد يحملون كرابيجهم, وكانوا يلوحون بها ويطرقعونها في أثناء سيرهم في المظاهرة, فيحدث صوتها فرقعة كطلقات المدافع. وأمام بيت الأمة طلبوا أن يخرج لهم سعد باشا..لم يتقدموا بهذا الطلب كرجاء, وإنما توجهوا به كأمر يستوجب التنفيذ وقال لهم عم آدم بواب بيت الأمة: إن الباشا يتناول إفطاره وصاحوا في وجهه: إننا جئنا دون أن نذوق لقمة.. كيف يأكل سعد إفطاره ونحن سنموت من الجوع. ترك سعد مائدة الإفطار دون أن يتم طعامه, وخرج الي شرفة السلاملك يستقبل الحوذية الثائرين,قال العربجية إنهم يطلبون من سعد رئيس الوزراء أن يصدر قانونا يمنع سيارات الأجرة من السير في شوارع العاصمة, فالسيارات تهددهم في أرزاقهم وتهددهم بالبطالة والموت جوعا..الحانطور صناعة مصرية والسيارة صناعة أجنبية, والشعير الذي تأكله الخيل يزرعه الفلاح المصري, وبنزين السيارات يستورد من عدوتنا إنجلترا..ثم ان السيارة إذا صدمت مصريا قتلته, بينما العربة الحانطور لاتقتل أحدا, وإن واجب وزارة الشعب أن تصدر هذا القانون لتحمي الصناعة المصرية ولتحمي الفلاح المصري ولتحمي المصريين. استمع سعد بإهتمام إلي خطباء الحوذية المتحمسين, حتي إذا انتهوا قال بهدوء: إن السيارات دخلت القاهرة قبل تولي وزارتي بعدة سنوات, فلماذا لم تتقدموا بهذا الطلب من قبل إلي الحكومات الأخري؟ فصاح الحوذية: لان الحكومات الأخري عينها الإنجليز لتعمل لمصلحة الإنجليز أما حكومتك فنحن الذين انتخبناها لتعمل لمصلحتنا. ابتسم سعد ليحتوي غضبهم ثم قال: انني عربجي مثلكم, مهمتي أن أقود العربة التي تقودونها, إن حكومة الشعب هي العربة الحانطور, ومصر هي الزبون الوحيد الذي يركب العربة, وواجبي أن أوصل الزبون إلي الجهة التي يريد الذهاب إليها, وهي الاستقلال التام لمصر والسودان..الفرق الوحيد بيني وبينكم أنكم تحملون الكرباج وأنا لا أحمل الكرباج. ضحك العربجية واختفي الشرر من عيونهم, وأحسوا بسعادة أن زعيم الأمة ورئيس وزرائها يؤكد لهم انه عربجي مثلهم. وعندما شعر سعد انه كسب قلوبهم قال لهم: والآن سأتحدث إليكم كعربجي يتحدث مع زملائه العربجية..إن الزبون يريد أن يصل الي الجهة التي يريدها بسرعة..تماما كما تريد مصر أن أحقق لها الاستقلال بسرعة, وكل إبطاء أو تأخير ليس في مصلحة الزبون ونحن في عصر السرعة..السيارة هي علامة التقدم, وإنها تحل في العالم كله محل العربات الحانطور, ولا أستطيع كزعيم هذه الأمة أن أسمح لها تتخلف وأن تمشي ببطء في عصر السرعة.. غير معقول أن أري الطيارة تحل محل السيارة في بلاد أخري وألزم بلدي بأن تركب عربة حانطور,ستكون نتيجة ذلك أن تسبقنا الأمم الأخري..أتقبلون أن تتقدم الأمم الأخري ونتأخر نحن؟ انني واثق من أن وطنيتكم لن تسمح بذلك, أنني واثق من إنكم تفضلون أن تسير بلادنا بسرعة السيارة ثم بسرعة الطيارة..أفهم ان تفكروا في مستقبلكم فهذا حقكم, والذي لايعمل من أجل المستقبل لايستحق حاضره ولا ماضيه, أفهم بدلا من أن تطلبوا منع السيارات أن تلزموا الحكومة بأن تنشيء مدرسة لتعليم قيادة السيارات, وأن تساعدكم علي الالتحاق بها في وقت فراغكم, وأن تمكنكم من التدرب علي الآلات الحديثة, وبذلك يتضاعف دخلكم ويتأمن مستقبلكم..ان واجبكم أن تطالبوني بإدخال الأجهزة الحديثة علي بلادنا..إن الإنجليز يسعدهم أن نتخلف وأن نتأخر وأن تسبقنا دول العالم وأن نركب العربات الحانطور ويركبوا هم الطائرات..لن تقبلوا أن يقول التاريخ أن حوذية مصر نادوا بأن تتأخر مصر عن بلاد العالم, خاصة وأنا أعلم وطنيتكم وغيرتكم علي بلادكم, أعلم أنكم إشتركتم في الثورة, وأعلم انكم ضحيتهم بقوتكم في أحلك الأيام من أجل مصر وحريتها, وأعلم انكم علي استعداد أن تكرروا هذه التضحية من أجل تقدمها فلا حرية مع التأخر ولا استقلال مع التخلف..ماذا كنتم تقولون لو أن أصحاب العربات الكارو طلبوا منع العربات الحانطور؟ وأصبحنا الشعب الوحيد في العالم الذي لاينتقل إلا فوق عربات كارو؟ أنا لا أكلمكم كرئيس وزراء ولا كزعيم أمة, ولكني أتكلم كواحد منكم يهمني مستقبلكم لإن مستقبلكم هو مستقبلي سوف أفعل ماتريدون..إذا كنتم تريدون أن تتقدم مصر بسرعة العربة الحانطور فسأخضع لرأيكم, وإذا أردتم أن نتقدم بسرعة السيارة وبسرعة الطيارة فسوف أفعل ما تأمرون به. صاح العربجية: بسرعة الطيارة سعد: إذن إتفقنا هتف العربجية: يعيش سعد باشا سعدضاحكا: لا بل قولوا..يعيش الأسطي سعد حاتم منصور الجيزة الهرم رابط دائم :