حكايات كثيرة يروج لها الإعلام هذه الأيام إن دلت علي شيء فإنما تدل علي أن إعلامنا بعيد كل البعد عن المسار الصحيح, ولا يزال يحيا بعقلية المراهق الباحث عن الإثارة, غير العابيء بالمصالح العليا للوطن أو ما يعانيه الشعب من مشكلات البطالة والغلاء وانتشار البلطجة نتيجة الغياب الأمني لانشغال الأمن بمتابعة المظاهرات المؤيدة والمعارضة للحكومة والتي صارت مقررا مفروضا علينا كل جمعة وسبت. أولي الحكايات التي روج لها إعلام الإثارة والتهييج حكاية حمادة أو المسحول الذي صار ضيفا متكرر الحضور علي أكثر من وسيلة إعلامية مقروءة ومشاهدة, وبات من كثرة ظهوره والحديث عنه في مختلف وسائل الإعلام والاتصال يضارع في شهرته نجوم السينما والكرة, ولم ينتبه الاعلاميون إلي أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته مجموعة من عناصر الأمن في حق المسحول أو حمادة صابر لا ينبغي أن يعمي أعينهم عن حقيقة الشخص, فالمسحول نموذج أفرزته سنوات من حكم القهر, عاش سنوات المواطن لا يعرف فيها سوي لفظة نعم, ويضطر إلي بيع ولائه لمن يدفع أكثر كي يحيا فلا نعرف لمن ينتمي, وقد عرضت علي الشبكة العنكبوتية صور مختلفة للمسحول وهو يقف تارة مع أنصار نائب رئيس الجمهورية الراحل اللواء عمر سليمان, وأخري مع أنصار المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق, وثالثة مع ثوار التحرير, ورابعة مع أجهزة الأمن, ولا أستبعد أن نشاهد صورا له مع الإخوان والسلفيين والأقباط, فلا أحد يعرف أي انتماء لهذا الرجل الذي دخل كل بيت في مصر بلا إنجاز بفضل الإعلام المضلل. نموذج أو حكاية أخري أسهم الإعلام في الترويج لها, هي علياء المهدي تلك الشابة الصغيرة المريضة بحب الظهور عبر طرق يرفضها الدين والمجتمع أساءت بها لنفسها وأهلها ووطنها, فالإعلام يتابعها ولا ينشر اسمها إلا مصحوبا بلقب الناشطة, وهو لقب لا تستحقه ويسيء لجموع الناشطات المتميزات بالخلق والإيمان بالمبدأ, فلم يكن التعري والبحث عن فضيحة ولن يكون أبدا بإذن الله, طريقا للحرائر من الناشطات الباحثات عن خير الوطن, فالخلق الحميد كان دوما ما تتصف به المصريات بغض النظر عن الديانة والوسط الاجتماعي ومستوي التعليم. حكاية ثالثة قادت إلي أخري, هي الفتوي الباطلة أو زلة لسان د. محمود شعبان, حين أفتي بقتل رموز ما يسمي جبهة الإنقاذ وهي فتوي غريبة عن روح الإسلام السمحة, التي تساوي قتل النفس بغير نفس بقتل الناس جميعا, وهي أيضا غريبة عن طبيعة الانسان المصري المفطور علي التسامح وكراهة العنف, وقد تلقفتها وسائل الإعلام بالحديث والتعليق, مما مهد لظهور شائعة وجود قائمة اغتيالات تضم مائة شخص من الجنسين مطلوبة رءوسهم!!! وهي قائمة عجيبة ضمت الشامي علي المغربي كما يقول المثل السائر. ومثل هذه الفتوي وغيرها من فتاوي القتل والتكفير, تدق ناقوس خطر في مجتمعنا المسالم, فالتدين المغشوش علي حد تعبير شيخنا الراحل محمد الغزالي قد يكون أنكي بالأمم من الإلحاد الصارخ. إن هذه الحكايات وكثير مثلها تدل علي أن مصر لا تحيا انفلاتا أمنيا فقط, وإنما قبل هذا وبعده تحيا أيضا انفلاتا إعلاميا, فقد انحدر مستوي الإعلام وتدهور حاله, حين دخله مرتزقة لا هم لهم سوي تحقيق الربح والمصالح الخاصة, والمتاجرة بمصالح الشعب وأمن الوطن. إن الإعلام مطالب بتوخي مصالح الوطن في تعامله مع الأحداث اليومية التي نعيشها, ولا أقصد بذلك أن يغض النظر عن السلبيات, وإنما أقصد أن يعطي كل حكاية ما يستحق حجمها من الاهتمام, ولا يلقي بالا للباحثين عن شهرة زائفة بتصريحات أو مواقف لا تستحق منا سوي التجاهل, فتجاهلها يقضي علي آثارها السلبية ويصيبها في مقتل. ثم إن إعلامنا مطالب بطرح وتبني الأفكار الخلاقة التي تصب في خانة مصلحة الوطن, وإلقاء الضوء علي مشكلات المجتمع الحقيقية الاجتماعية والصحية والسياسية, والسعي للبحث عن حلول لها, ونبذ ما يفعله حاليا من تجاوزات ومخالفات يعد السكوت عنها جريمة في حق الشعب كله, فليس من حرية التعبير اتخاذ النماذج السلبية قدوة وليس من حرية التعبير الترويج لأفكار القتل والاغتيال, إن واقع إعلامنا الحالي يقود وعينا الجمعي الشعبي إلي غيبوبة ربما تكون مقصودة, ويذكرني بمقولة وزير الدعاية النازي جوزيف جوبلز: أعطني إعلاما بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي.