علي مدي300 عام ساهمت الصحافة بدور كبير في تفعيل الديمقراطية في النظم السياسية الغربية الأوروبية والأمريكية علي حد سواء, وشمل ذلك ضمان حرية التعبير كحق مكفول دستوريا للمواطن, كما كانت في صدارة آليات تعزيز شفافية الأداء الحكومي, وتبنت صياغة قوانين حرية تداول المعلومات المتعلقة بالاطلاع علي وثائق ومحاضر اجتماعات الحكومة, والتي تضمن شفافية الأداء ومراعاة الصالح العام, وتقطع الطريق علي سياسات الأبواب المغلقة التي تخفي وراءها شبهة الفساد. من الضروري ان يحظي المجتمع المصري في ظل الديمقراطية الوليدة بوسائل اعلام ذات نوع حقيقي في نمط الملكية ونهج المعالجة والمنظور, وفي الوقت نفسه نوفر لها المعالجات الملائمة للتعامل مع المشكلات والمخاوف التي تنتاب المشرعين من سوء الممارسة واستغلال مناخ الحريات. وقد ظهرت تلك المخاوف أثناء صياغة مواد الدستور, عندما رفضت الجمعية التأسيسية النص علي حظر حبس الصحفيين في جرائم النشر. ولقد انتشرت الكثير من التخمينات المضللة والمعلومات المغلوطة حول التشريعات الاعلامية الجديدة والمتوقعة في الفترة القادمة, ويجب ان نؤكد هنا ضرورة التنسيق بين جهتين: الاولي نقابة الصحفيين بوصفها المعنية بالمهنة والمهنيين, والمجلس الاعلي للصحافة بوصفه المعني بالمؤسسات الصحفية, وذلك حتي نستطيع ان نوحد جهودنا ونتوافق علي تشريعات تكفل حماية حرية المهنة وتضمن اداء دورها في خدمة المجتمع المصري وبناء الديمقراطية الوليدة. ويجب ان تكرس تلك التشريعات لحماية حرية الصحافة, وان توفر آلية مستقلة لعمل الهيئة المنظمة للصحافة لضمان استقلالها وفعاليتها, وتوفير فوائد ملموسة للمهنة. ومن الافضل هنا ان يقوم اهل البيت انفسهم بترتيب بيتهم قبل ان تفرض عليهم تشريعات من تيار سياسي بعينه أو أجندة بعينها, اذ ان اهل مكة ادري بشعابها. وكما نطالب القضاة بتطهير بيتهم يجب ان نحذو نفس النهج تجاه الصحافة, التي شهد اداؤها في الفترة الاخيرة تراجعا مخزيا طبقا لمعايير ميثاق الشرف الصحفي الذي يفترض ان يحكم اداء العاملين بالمهنة, مما أساء للمجتمع المصري وروج الشائعات والفوضي في حياة الابرياء من ابناء هذا الوطن في فترة من احرج فترات تاريخنا المعاصر, فترة التحول الديمقراطي التي تلت ثورة25 يناير2011, والتي كان من المفترض ان تساهم الصحافة فيها بدور اكثر فاعلية وايجابية لنشر معلومات دقيقة واخبار موثقة, وتتعامل مع الاحداث الجسام بقدر اكبر من المسئولية الوطنية والمهنية. كان يجب علي قطاع كبير من الصحافة والصحفيين ان يدركوا الفارق الكبير بين مسئولية الصحفي المحترف واداء الهواة والمواطنين العاديين علي المدونات وشبكات التواصل الاجتماعي التي تنضح بالشائعات والتهم المرسلة والمعلومات غير الموثقة, كان يجب عليها ان تحترم المواطن الذي اولاها ثقته والمجتمع المصري بعد الثورة الذي منحها حريتها, وان يدرك جموع الصحفيين ان مهمة الصحافة ودورها في اي مجتمع يتركز في الاعلام والتثقيف والترفيه, وانها قد فشلت علي الاقل في الدورين الاولين فشلا ذريعا. والغريب انه في الوقت الذي تواجه الصحافة المصرية مفترق طرق تشهد الصحافة البريطانية تداعيات ازمة اخلاقية حادة بدأت عام2011 عندما اعلن رئيس الوزراء البريطاني عن اجراء تحقيق لتقصي الحقائق حول دور الاعلام والبوليس في فضيحة التنصت التي قامت بها صحيفة نيوز أوف ذي ورلد المملوكة لامبراطور الاعلام روبرت مردوخ علي مشاهير وسياسيين وافراد الاسرة المالكة البريطانية. وتم تعيين القاضي لورد جاستس لفيسون رئيسا للتحقيق. افتتح ليفسون جلسات الاستماع في نوفمبر2011 بقوله: إن الصحافة هي المراقب الاساسي لكل مناحي الحياة العامة ولذلك اي فشل يواجهها في اداء دورها ينعكس علي المجتمع كله, ومن ثم فإن صلب هذا التحقيق يجب ان ينصب علي البحث عن اجابة سؤال واحد وهو: من يحرس الاوصياء؟. انطلقت أعمال لجنة التحقيق عقب ثبوت عمليات تنصت علي موبايل فتاة مراهقة تعرضت للقتل, لتشمل ثقافة وممارسات واخلاقيات الصحافة البريطانية وادائها بالنسبة لعامة الشعب والبوليس ورجال السياسة. وينظر المجتمع البريطاني للصحافة البريطانية العريقة التي يرجع تاريخها الي300 عام مضت, بوصفها الحارس والديدبان القائم علي مصالح الشعب والشاهد الحيوي علي الاحداث, وحامل لواء من لا يجد من يمثله, لذلك كانت صدمته كبيرة في ثبوت عملية التنصت الممنهجة التي تورطت فيها الجريدة بعلم سياسيين ورجال بوليس مما اضطر الصحيفة العريقة ان تتوقف عن الصدور,ان الصحافة التي تعمل في مناخ من الحرية لصالح عامة الشعب هي الضمان الحقيقي للمجتمعات الديمقراطية,ومن هنا تحظي بمكانة قوية ومتميزة في ذلك المجتمع, إلا أن تلك السلطة والتأثير يحملان في طياتهما مسئوليات جسام تجاه الصالح العام للمجتمع. أن لجنة التحقيق برئاسة ليفسون استهدفت امرين: اولهما عرض ما حدث بدقة, وثانيهما الخروج بتوصيات من أجل التغيير. واشترط القاضي الا يكون السياسيون او الحكومة طرفا في تنظيم شئون الصحافة, مع وجود صلاحيات انفاذ للقانون محدودة لصالح حرية الصحافة بما فيها حق حماية المصادر والصحفي ذاته, والتي يجب ان توضع وتصاغ حتي تؤدي الصحافة دورها في خدمة الصالح العام لا من اجل الصحافة ذاتها. واذا كنا نطالب بتوحيد جهود مجلس نقابة الصحفيين والمجلس الاعلي للصحافة من اجل صياغة قوانين منظمة للمهنة, فإن ما نحتاجه أيضا هو منظومة فعالة مستقلة لتنظيم المهنة ووضع معايير ضابطة للأداء تعمل للصالح العام وليس لحساب نظام سياسي او فئة بعينها تمول تلك الصحف, نطالب ان تمارس نقابتنا العريقة دورها بعيدا عن هيمنة صناع المهنة والحكومة والسياسيين, ومن اجل تعزيز معايير جودة اداء عالية للصحافة تحمي الصالح العام وحقوق وحريات المواطنين, تصوغ وتفرض معايير, وتنظر في الشكاوي الفردية ضد سوء الأداء, وتوفر تحكيما عادلا وسريعا لمعالجة تداعيات سوء الممارسة. ونطالب بأن يكون رئيس الهيئة الوطنية للصحافة والاعلام القائمة علي ادارة المؤسسات الصحفية والاعلامية المملوكة للدولة واعضائها مستقلين, علي ان يتم تعيينهم عبر عملية تحظي بأكبر قدر من العدل والشفافية, وتضم اعضاء من خارج المهنة, ولا تشمل أيا من رؤساء التحرير العاملين أو السياسيين, أما فيما يتعلق بمعايير الأداء المهني فلابد من لجنة من الصناعة ذاتها ويمكن هنا ان تضم رؤساء التحرير العاملين, وتقدم مشورتها للهيئة التنظيمية.