الطريقة التي جري بها وضع الدستور الجديد. تجعلنا نتوجس خيفة علي أي تشريع ينوي مجلس الشوري الحالي اصداره تنفيذا لمواد هذا الدستور. إن "العمل تحت ضغط عنصر الوقت".. هو القاسم المشترك بين الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور وبين مجلس الشوري المكلف الان بسلطة التشريع. الجمعية التأسيسية. عملت تحت ضغط الخوف من أن يداهمها حكم من المحكمة الدستورية العليا بأبطال تشكيلها قبل ان تنتهي من مهمتها في وضع الدستور وتمريره. ومجلس الشوري الحالي يعمل تحت ضغط أن سلطته في الانفراد بالتشريع مؤقتة. ولها سقف زمني ينتهي بأنتخاب مجلس النواب خلال ثلاثة شهور علي الأكثر. وتريد الأغلبية تمرير اكبر عدد من التشريعات الرئيسية في هذه الفترة. قبل أن يأتي مجلس نواب لا تستطيع الآن التكهن بموازين القوي السياسية والتصويتية فيه. والخوف كل الخوف. أن يؤدي هذا القاسم المشترك بين عمل المؤسستين إلي ذات النتائج فتخرج تشريعات الشوري بنفس عيوب الدستور. لأنها تحمل نفس جيناته. ان السلطة الحاكمة. وهي تطرح مشروع هذا الدستور للاستفتاء. دعت في نفس الوقت إلي حوار وطني لتحديد المواد التي تتفق سائر القوي السياسية علي تعديلها فيه بعد أن يقره الشعب. *** واكثر ما يعنيني في هذا المقام هو التشريعات الخاصة بالصحافة والإعلام. ليس تحيزا للمهنة. بل إيمان بإن الصحافة والإعلام تعبير عن المجتمع كله. وقاطرة للحريات العامة. ومقياس لمدي التزام سطاته الحاكمة بالديمقراطية وحقوق الانسان. ودعونا نعترف بأن الصحافة والاعلام الآن في أسوأ أوضاعهما. بما قد يغري أي سلطة بمحاولة الانقضاض عليهما والعبث بمقدراتهما. وتمرير تشريعات لا تحقق ثمار ثورة قامت من أجل الحرية. وكان للصحافة والاعلام دور كبير في اشعالها. أو تلبي الاحتياجات والمطالب المشروعة والعاملين بها. والاحتياجات ومطالب المجتمع منها. ولقد رأينا مثالا صارخا لذلك داخل الجمعية التأسيسية للدستور. حين جري إهمال متعمد للمقترحات التي تقدم بها نقيب الصحفيين بشأن المواد المتعلقة بالمهنة. ولم يؤخذ بالكثير منها. وكان اللافت يومئذ. أن ذلك جري في سابقة لم يتعرض لمثلها نقيب للصحفيين من قبل. ولا يحتاج الحديث عن سوء أوضاع الصحافة والاعلام الآن إلي دليل.. فالشواهد كثيرة. مجتمع صحفي مفكك.. نقابة منقسمة علي نفسها مؤسسات قومية آيلة للسقوط المالي والاقتصادي بفعل ديون واستحقاقات متراكمة علي مدي عقود.. أدوات إعلامية متعددة الهوي والهوية.. معايير مهنية وأخلاقية غائبة.. مصادر معلومات مغلقة تركت ساحة مستباحة للشائعات وأنصاف الحقائق. والأخطر من ذلك كله. هو ذلك المفهوم الغريب لوظيفة الاعلام والصحافة وعلاقتهما بالسلطة. وهو أن الاعلام والصحافة يجب أن يكونا مع السلطة طالما لا يوجد هناك فساد. وهو مفهوم يحصر حق الاختلاف مع السلطة أو معارضتها في معيار واحد وهو وجود أو عدم وجود فساد. ولا يعترف بهذا الحق في غير ذلك من قضايا وآراء. حتي هذا المعيار - لو سلمنا به - يظل موضع مناقشة وجدل. إن للفساد وجوه كثيرة.. وقد يري البعض وهو حر فيما يراه . ان من وجوه هذا الفساد التي تستوجب معارضة السلطة مثلا. غياب الشفافية لدي جماعة الاخوان المسلمين فيما يتعلق بطبيعة تشكيلاتها.. أو مصادر تمويلها.. أو امتداداتها الخارجية.. أو ارتباط اسمها بعدد من الأحداث والوقائع التاريخية.. أو علاقات النسب والمصاهرة بين قياداتها الحالية الحاكمة للدولة.. الي غير ذلك. *** إن إعادة صياغة البنية التشريعية لتنظيم الصحافة والاعلام وفقا لنصوص الدستور الجديد. في ظل هذا الوضع المتردي للمهنة. والمفهوم الغريب لدي السلطة لوظيفة ودور الصحافة والاعلام. يجعل هذه التشريعات معركة حياة أو موت بالنسبة للصحفيين والاعلاميين. ويضعهم لأول مرة أمام تحد تاريخي حقيقي عنوانه: نكون أو لا نكون. وكل الشواهد خلال الفترة الأخيرة. فيما يتعلق بالتعامل مع الصحافة والاعلام. لا تعكس نوايا طيبة تجاه المهنة. يمكن أن يطمئن أهل المهنة اليها. لقد جري ويجري قصف ميداني للمهنة وأهلها لتهيئة الساحة لهذه المعركة. وشغل الصحفيين والاعلاميين بقضايا جانبية تلهيهم عن الاستعداد الجاد للحظة الفاصلة. إغلاق لقنوات فضائية تذرعا بحجج واهية.. محاولات زرع فتنة مفتعلة بين الأجيال الصحفية المختلفة بدلا من تعزيز التواصل بينها.. إثارة قضايا من نوع "هدايا المؤسسات الصحفية لكبار المسئولين بالدولة". بهدف تشويه بعض القيادات من جانب. ورد بضعة ملايين من الجنيهات للمؤسسات من جانب آخر كبديل عن العجز الكامل عن حل مشكلاتها المالية والاقتصادية. هذا مخطط هدفه السيطرة علي الصحافة والاعلام.. وشق أي وحدة محتملة بين أبناء المهنة الواحدة وارهابهم. وأن ينشغل كل صحفي واعلامي بالدفاع عن نفسه وموقعه ويحمد الله علي النجاة إن بقي الوضع علي ما هو عليه. ولا عزاء لما رفعته الثورة من شعارات الحرية والكرامة والديمقراطية.. ولا لما قدمته المهنة وأبناؤها من تضحيات قبل وأثناء وبعد هذه الثورة من أجل هذه الشعارات. *** ولا بديل في رأيي أمام الصحفيين والاعلاميين لمواجهة ذلك. الا أن يتحدوا. وأن يتمسكوا بالحد الأقصي لمطالبهم المشروعة. وأن تكون لهم المبادرة واليد العليا في صياغة كل التشريعات المنظمة للمهنة. بهدف وضع قواعد عادلة ودائمة ومستقرة تحكم أوضاعها وتعزز وتحمي حقوق كل العاملين فيها. لقد وقعنا في خطأ "الرضي بالقليل" عند صياغة الدستور فلم نحصل منه علي كل ما تستحقه المهنة. أملا في أن ندرك بالتشريعات اللاحقة. ما لم ندركه في الدستور نفسه. ولا يجب أن نسمح بتكرار هذا الخطأ. فنخرج من الدستور والتشريعات جميعا وقد خسرنا كل شيء. بل انني أري أن معركتنا الأولي والعاجلة الآن. قبل التشريعات. مازالت مع الدستور نفسه. فاذا كان الحوار الوطني الدائر الآن بين الحكم والمعارضة. يسعي لتحديد المواد التي يراد تعديلها في الدستور أو اضافتها اليه. فيجب ألا نفوت الفرصة. ونسعي لكي نضم الي هذه المواد ما أهملته الجمعية التأسيسية من مقترحات للجماعة الصحفية عند وضع الدستور. وأن نقنع كل أطراف الحوار بأن هذه معركة المجتمع كله قبل أن تكون معركة الصحفيين والاعلاميين. فكل القوي السياسية المشاركة في الحوار لديها صحف. وبعضها لديه قنوات فضائية. وأي نص دستوري أو قانوني يعزز حرية الصحافة والاعلام هو مكسب للجميع. وللمجتمع أيضا. بل اني أرجو أن تقتنع السلطة الحاكمة أيضا. بأن تعزيز الحريات العامة. وفي مقدمتها حرية الصحافة والاعلام واستقلالهما. هو الباب الملكي الذي يمكن أن تدخل منه الي التاريخ.