في الغابة.. يستيقظ القرد الصغير مبكرا.. يوقظه الجوع والرغبة في المرح.. وفي نفس الوقت يصحو النسر جائعا محلقا في الفضاء يرقب بعينيه الحادتين ما يدور علي أرض الغابة.. وفي لحظة خاطفة ينقض النسر علي القرد الصغير ويحمله بين مخالبه طائرا به نحو العش كوليمة منتظرة.. عندئذ يجد القرد نفسه, وقد أصبح صيدا تقبض عليه مخالب محكمة ويجد نفسه مبتعدا عن أشجاره وأهله ودون تفكير يطبق بأسنانه علي عنق النسر.. فيهوي الاثنان للأرض.. قتيلين.. لا النسر التهم ضحيته ولا القرد نجا منه بحياته.. مات الاثنان وهما ينشدان النجاة والحياة. وردت هذه المشاهد إلي رأسي فجأة.. وكثيرا ما ترد إلي ذهني كنموذج للصراع الحياتي بين البشر حين يصبح المجتمع قريبا من الغابة.. وحين يصبح الموت هو الوسيلة الوحيدة للحياة.. فإذا ما نظرنا حولنا فيما يحدث الآن في منطقتنا العربية من صراعات وجدنا أن القصة أو الحادثة غير بعيدة عن الصورة. أريد أن أكتب اليوم عن الحياة.. عن تلك القوة الكامنة فينا والتي تدعونا إلي الأكل والعمل والنوم واليقظة والمرح والزواج وكل مظاهرها المختلفة والتي بالضرورة والإلحاح تقف ضد الموت ومظاهر الموت المختلفة. والملاحظ أن الموت وثقافة الموت حاضرة في أذهان المصريين منذ عشرات السنين.. بل أكاد أقول منذ آلاف السنين.. منذ أيام الفراعنة.. ولكن الفراعنة كفهم صحيح كانوا يقدسون الموت من أجل الحياة.. الحياة الأخري فيما بعد الموت والتي لم تكن تفرق كثيرا في مظاهرها عن حياتهم علي الأرض, حيث كانوا يضعون الطعام والشراب مع الميت في مقبرته لكي يجده حين يصحو.. لكن الأحفاد مصريي اليوم أصبحت تملي عليهم ثقافة الموت.. بإغلاق نوافذ الحياة عليهم.. بالفقر والجهل والمرض واليأس والإغراق في مواعظ كراهية الحياة الدنيا واعتبارها رجسا من عمل الشيطان. والنتيجة هي الإحباط والكف عن العمل والانتاج.. في حين أن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام دعا إلي الحياة والعمل لآخر لحظة في العمر بل وفي الحياة.. حيث قال في الحديث الشريف:اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. لقد قدم الحياة علي الموت, كما قال: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة.. فليزرعها. ثم إن حياة النبي نفسه وهو المثل الأعلي كانت مفعمة بالحياة في كل نواحيها.. فلماذا يدعو الوعاظ بل وفئات كثيرة عندنا إلي تقديس الموت لا الحياة.. وإلي كراهية الحياة لحساب الموت *** إن الشعوب تموت معنويا قبل أن تموت فعليا.. تموت معنويا باليأس والاحباط والصراعات العقيمة.. وتحيا بالأمل والعمل والبهجة والمرح.. فهل ندعو إلي مهرجانات للبهجة بدل سرادقات العزاء؟ [email protected] رابط دائم :