إذا كانت التنشئة السياسية للأطفال ليست ضرورة ملحة في المجتمعات الديمقراطية, باعتبارها مفرزة للكوادر السياسية بصورة تلقائية لذلك فقد أصبح توجه هذه المجتمعات, يتجه نحو تعميق فهم الطفل وممارسته لحقوقه كإنسان من خلال تبني عدد من المبادرات والسياسات التي تحقق ذلك, أما بالنسبة لنا كمجتمع آخذ في النمو فإننا في أشد الحاجة إلي الحرص علي كفالة هذه التنشئة لأطفالنا في ظل غياب الثقة في المجتمع السياسي المصري وضياع ثقافة الاختلاف وفقدان الأمل في التوافق. ولا نعني بالتنشئة السياسية هنا أن يصبح أطفالنا نشطاء سياسيين أو أن يكونوا خبراء في القانون الدستوري, ولكننا نتحدث عن مستوي من المعرفة يجب أن يكتسبه الطفل من سن معينة يصلح كأساس لبناء معرفته المستقبلية, إذا كنا نبغي أن نصل إلي مجتمع متحضر نواته هؤلاء الأطفال, وإذا كانت عقلية الطفل والبيئة المحيطة به في المجتمع المصري لا تستوعب هذه التنشئة ولم يسبق لها اختبارها, فإن معالجة هذا الأمرتقتضي منا أن نبحث في تجارب الدول الأخري ومنها لبنان لسببين: الأول أن هذه الدولة قامت بدمج مفاهيم حقوق الانسان و( الطفل) في مناهج التعليم العام في لبنان وخاصة مناهج مادة التربية الوطنية خصوصا وأن التربية المدرسية واحدة من الأطر المناسبة إلي جانب البيت والمدرسة للتوعية بهذه الحقوق, في إطار قيمي وليس قانونيا باعتبار أن هناك حقوقا وواجبات لا تحكمها القوانين بل القيم مثل مساعدة الفقير والمعوز وزيارة مؤسسات الرعاية الاجتماعية ومساعدة المنكوبين حتي ولو كانوا مختلفين في الهوية الدينية والشخصية واللون والجنس وما شابه. وشعور الطفل بإلزام هذه الواجبات له تكون الخطوة الأولي نحو تعزيز الانتماء الإنساني والتربية الصحيحة علي المواطنة القائمة علي أساس الايمان والالتزام بالقيم والمباديء الانسانية التي تحترم حرية الانسان وتقيم مكانة للعقل وتحض علي العلم والعمل والأخلاق, حيث تضمنت مادة التربية الوطنية والتنشئة المدنية حقوق الطفل بمختلف موادها مراعاة سن المتعلم وحاجاته واهتماماته, وذلك بهدف تعزيز وعيه لذاته وللآخرين, وتوعيته بحقوقه وواجباته وأن شخصيته لا تكتمل إلا في إطار الجماعة بأبعادها الاجتماعية والوطنية والانسانية. أما السبب الثاني فهو تبني بعض المنظمات الأهلية الممولة من الأممالمتحدة لبعض البرامج الدولية لتدرب الطفل علي فهم وممارسة حقوقه من خلال اللعب. ولذلك فإننا نوضي بأنه يجدر بنا العناية بتعميق فهم أطفالنا بحقوقهم الأساسية في إطار قيمنا الأصيلة وتراثنا الأخلاقي بطريقة مبسطة وميسورة, وتحقيقا لهذا الهدف سوف نسعي في مقالات لاحقة بالحديث عن حقوق الطفل في إطار مجتمعات المعلومات الحديثة أو ما يسمي بالحقوق الالكترونية للطفل. د. طارق عفيفي صادق