احتفل آلاف التونسيين أمس بالذكري الثانية علي اندلاع ثورة الياسمين التي أشعل فتيلها بائع الخضروات محمد البوعزيزي والذي نجح رغم بساطته وفقره في الإطاحة بنظام استبدادي حكم تونس سنوات طويلة, لكنهم احتفلوا وسط أجواء يشوبها القلق بسبب الاضطرابات الاجتماعية والصعوبات الاقتصادية التي تصل إلي حد الإفلاس, وتهديد الجهاديين والانقسامات السياسية التي تلقي بظلالها علي الدستور الجديد, في الوقت الذي يعيش فيه زين العابدين بن علي وزوجته ليلي الطرابلسي حياة الرفاهية بأموال الشعب التونسي البسيط وهو ما يرجع بتونس إلي المربع الأول. فالأوضاع التي تعيشها تونس تؤكد أن الثورة لم تؤت ثمارها بعد, بل إنه لم يتغير شيء فالظروف المعيشية للمواطن البسيط لم تتحسن بل زادت سوءا, حتي أصبحت تونس تجاهد الآن من أجل حماية البلاد من شبح الإفلاس الذي يخيم عليها. وتظل مشكلة الاقتصاد كلمة السر لحل الأزمة التي تعيشها تونس, فالتونسيون يعيشون نفس الظروف الصعبة التي عاشوها أيام بن علي ولم يجدوا في الثورة سبيلا لتحقيق ما حلموا به من توفير ظروف معيشية أفضل والقضاء علي نسبة الفقر الذي وصل إلي حد لم يسبق له مثيل وكذلك البطالة التي سجلت خلال الشهور الماضية أعلي مستوياتها ولم يجدوا أيضا وسيلة لتطهير مؤسسات الدولة من الفساد الذي لا يزال يستشري في جميع ربوعها. فالشعب التونسي يشعر بأن الوجوه تتغير إنما السياسة واحدة فحكومة النهضة اختارت أن تسلك طريق بن علي فطوال الوقت تقول إن الأوضاع تتحسن وأن نسبة البطالة في تراجع وأن الثورة حققت الكثير من المكاسب التي طالما حلم التونسيون بها بل وتفتخر دائما بمناخ الحرية والديمقراطية التي خلقته بعد عصور من الاستبداد والديكتاتورية عاشها الشعب تحت عباءة بن علي, لكن الحكومة لم تدرك بعد المطالب المشروعة للشعب التونسي والتي منذ توليها لم تحقق منها أي شيء. ورغم كل ذلك فإن حتفالات التونسيين غلب عليها طابع الألفة إذ شاركت جميع فصائل المجتمع في الاحتفالات سواء علمانيين أو إسلاميين نزلوا بالآلاف إلي الشوراع ليحيوا ذكري الثورة بعد أن نحوا الخلافات جانبا لساعات قليلة تعايشوا فيها جنبا إلي جنب ليؤكدوا للعالم كله أن تونس أيقنت درس الديمقراطية عن ظهر قلب, إلا أن الاحتفالات لم تخل من الشعارات الثورية التي هزت تونس أمس والتي رددت شعارات تندد فيها بأداء الحكومة التي لم تحقق شيئا مما وعدت به من أهداف الثورة, وخصوصا ما رددته بعد وكالات الأنباء والقنوات التليفزيونية بشأن عدم قدرة تونس علي صرف أجور موظفيها وأنها أوشكت علي إعلان إفلاسها, أثار مخاوف التونسيين الذين وجدوا أحلامهم تتبدد, وبدلا من أن تأتي الحكومة لتحقق مطالبهم, جاءت لتحطم آمالهم وتبث الخوف والقلق داخل قلوبهم علي ثورتهم التي أيقنوا أنها أضاعت أرواح الشهداء هدرا دون تحقيق أي إنجازات تذكر. ورغم مرور عامين علي اندلاع الثورة فأن التونسيين لم يشهدوا إنجازا واحدا حتي الآن فالأحزاب الدينية تحكم قبضتها علي كل مؤسسات الدولة بتطويق حرية الإعلام وملاحقة القنوات والصحف قضائيا وهو ما يرفضه الإعلاميون الذين نزلوا الشوارع في مظاهرات تطالب بحرية التعبير وإبداء الرأي الذي تكفله الدولة خاصة بعد الثورة المجيدة التي راح ضحيتها عشرات الضحايا. والسؤال هنا هل سيسامح أهالي الشهداء الحكومة الحالية التي وصفوها بضعيفة الأداء في إضاعة حقوق أبنائهم, رابط دائم :