أنا متفائل بطبعي, مجتهد لا أعطي للحظ مساحة في حياتي, وإن كنت لا أعترف بوجوده, فالحظ الحقيقي هو نتاج اجتهادنا فقط, ذقت الفقر ولم ألعنه, تبدلت أحوالي كالطقس المتغير من السيئ إلي الأفضل ولم أشكره, تذوقت رغد العيش, سكنت شقة فاخرة, كل ذلك نتاج تعبي وليس طفرة عطف من حظ. ليت قومي يعلمون مرت الكثير من الليالي وأنا توأم للجليد المستوطن القطب الشمالي..لا أحرك ساكنا لرؤية أي فتاة..وذلك ما كان يثير غضب أصدقائي, حتي انصرفوا عن دعوتي لليالي السمر والسهرات الملونة, ولم يعترفوا قط بأن كل النساء عندي متشابهات, الملامح,قصات الشعر, ألوان الزينة, حتي الضحكات كانت كلها متشابهة, تلك تشبه ضحكة هيفاء وهبي عندما تظهر مالديها من فنون الغنج والدلال, وأخري تشبه ضحكة بوسي عندما تتمايع في أحد مسلسلاتها, لا أجد لهن طعما..ولكن أصدقائي لم يفطنوا لوجهة نظري أبدا, عشت بذلك البرود زمنا..لا أمتثل لكلمات نزار عندما أسمعه يتعبد في محاريب الأنثي, ويتفنن في وصف مفاتنها..بل أشعر أنه عبد من عبيد الملكة. الأنثي....! ما الأنثي إلا حواء..ومن أخرجنا من الجنة سواها؟ تلك مبادئي التي لن أغيرها أبدا فأنا لا أتغير بتغير الظروف المحيطة بي, بل إنني لا أهتم كثيرا بالمتغيرات! يوم الأجازة..(كم أحبه),أظل ملازما فيه سريري, محتضنا لوسادتي الحنونة..لكن شدة الضجيج بالخارج أحيانا تسلبني ذلك النعيم الذي أشعر به. أو ووف...صدق عدوية( زحمة يادنيا زحمة) ذلك الصباح علي غير العادة لم أجد ضيقا في أن أستمع لأبواق السيارات, بل رحت ألحنها وكأنني تشايكوفسكي. بيب بيبيب بييب ظلت تلك المقطوعة( البوكيه) كما أسميتها تتردد علي لساني طوال الصباح هيا ياكيس القمامة بيب سأخذك للخارج بيب بخطوات راقصة وصلت لمقبض الباب, يا للروعة, من ذلك الدافينشي الذي تفنن في رسم مثل تلك المقابض, لم أتجول في مساحات خيالي الخصبة, حتي سمعت صوت نقرات ذلك الذي تترنح له الرؤوس,,إنه الكعب العالي أحفظ صوته الشرير..عاجلت المقبض بلفة دائرية سريعة, انزلق علي إثرها اللسان,فانفتح الباب...لأراها أمامي تتعارك مع مفتاح شقتها المقابلة لي, بعد أن رفض أن يطيعها في ذلك الجو البارد, وكأنني أري أمامي( كاميليا) فاتنة السينما, بل إنها تفوقها جمالا نظرت الي وما أسرع علامات التعجب التي وقعت فوق ملامحها. من أنت؟ أنا هاني! الساكن الجديد ارتسمت علي شفتيها ابتسامة جميلة وأخيرا..سأجد لي جارا! لقد ظننت أن الشقة شاغرة أنا أيضا ظننتها كذلك إلي أن وجدتني بها نظرت قليلا..همهمة لم أفهمها في البداية ثم قالت: أنا سلمي مرحبا..هل تواجهين صعوبة في فتح الباب؟! أكره تلك الأبواب في الشتاء..لا أجني من ورائها إلا صعوبة التعامل والصرير الذي يصم الآذان رأيت أنه من الواجب أن أظهر شهامتي...( تلك أيضا إحدي حسناتي) أتريدين المساعدة؟ ستصنع لي معروفا لم أتحدث إلي الجيران أبدا منذ سكنت هنا لعلمي أن الاختلاط بالآخرين يجلب المشاكل, لكنني أظن أن تلك المرة شعرت براحة للتحدث مع أحدهم, بل ولمساعدته أيضا, ظننت أن الباب سيفتح عن مخزن سنجاب مليء بقشور الجوز, بل أنه يظل كل الوقت يفنعك بأن تلك حبات كاملة يخزنها للشتاء, لكن الباب انفتح علي جنة غناء سحرتني حتي أنني ولجت داخلها بدون استئذان لأقف أمام مكتبة كبيرة منمقة بعناية شديدة صفت كتبها الأكبر فالأصغر, ألوان الجدران جميلة هادئة الأثاث يكاد ينطق ليقول لك( إن الله جميل يحب الجمال) تغرد من وراء قضبان قفص صغير عصفورة كناري صفراء ما أبدع ذلك الصوت إنني حقا أشعر بأن... هل أعجبك ذوقي؟ سحبتني من براثن ذلك السحر المتجول في شقتها لأجدها وقد أعدت فنجانين من القهوة أعتذر ولكنني لم أتمالك نفسي أمام ذلك الجمال فأنا أعشقه بالإضافة لعشقي للقراءة أصبحنا اثنين, من كاتبك المفضل؟ تبارينا في مستوي الثقافة حتي استسلمت أخيرا أمامها, فاجأتني ثقافتها الغزيرة وعلمها الوفير( إنها مكتبة ثقافة متحركة) لم تخبرني ما طبيعة عملك؟! لدي شركة للدعاية والإعلان خاصة بي..عملت بجهد مع بعض أصدقائي حتي أصبحت تقريبا الوحيدة التي تذكر الآن في الأسواق..وأنت؟ تلعثمت قليلا وكأنها تفاجأت بالسؤال, لكنها سرعان ما لمست خصلات شعرها بدلال لتجيب بابتسامة أنا أعمل مضيفة جوية يالشجاعتك! قالت بتعجب وقد قطبت حاجبيها:( لماذا؟)! لأنني أعاني من فوبيا المرتفعات..تحديت نفسي ذات مرة أن استمر في رحلة جوية من القاهرة الي الغردقة..لم أنتظر أن تقلع الطائرة حتي هربت من المطار. ههههههههههه أنا حقا سعيد بتلك المصادفة, إن احتجت لأي شيء فأنا في خدمتك تركت تلك الجنة وعدت أدراجي إلي منزلي لأعيش مع كل همسة وكل تعبيرة وكل.. وكل..لم يمر شهران حتي كنا صديقين فعلا, لا أذكر أن لحظة مابعثرت هذا التوافق الذي أستشعره بيننا, ولكن بعد عام واحد قررت أن أعتزل دور الراهب الذي يعيش بخلوة الطهارة لادفن رأسي في صحراء الحب العطشي. هاني...لاتنس عيد ميلادي يوم الثلاثاء كل عام وأنت أرق وأجمل قررت أن أكسر حواجز الكذب التي ظللت أقنع نفسي بها سنين طويلة,وإن كانت سلمي قد شجعتني علي فعل ذلك, فقررت أن تكون هديتي غير متوقعة. لا أصدق أنك ستفعلها أخيرا( قال حسن وأيده أصدقاؤنا) لقد راهنت كثيرا أنه لم تخلق بعد تلك الأنثي التي تحطم لي مبادئي ومعلوماتي العتيقة التي اختزلتها في بضع صور مشوهة عن النساء...إنها سلمي نطقتها كأنما أتذوق روعة الاسم لأول مرة ركعت علي ركبتي أمام صديقاتها وبعض المدعوين, وكشفت عن علبة صغيرة يرقد بقاعها خاتم ماسي,يكشف بريقه عن مدي الحب المكنون بقلبي. تتزوجيني.......؟! كانت صديقاتها أشد مني فرحة, بينما صفق الرجال لبساطتي, لكنها كانت عكسهم بدت كحجر صلد يرقد بركن الهرم الأكبر لماذا....؟ لأنني أحبك لم أكن أتمني أن تقع بتلك الحفرة أبدا تركتني لأجد نفسي محل شفقة المحيطين بي لصعوبة الطعنة التي تلقيتها بقلبي, عشت أياما وأنا كسير متهدم الطموح أشفق علي حالي, هاتفها مغلق طوال الوقت. كلنا مررنا بنفس الموقف مرة وأكثر, سيأتي اليوم الذي تنسي فيه ما قد صار ساخرجك أنا من تلك الحالة( قال نضال) لم تكن تلك السهرة ولاغيرها لتنسيني ماقد صار,كنا نتأمل تلك العاهرة التي ترقص علي العامود, تترك المسرح لأخري تفعل مثل سابقتها, لكن صدمتي كانت عندما رأيت وجه الملاك الذي يرقص.... سلمي! كانت تتلوي كالأفاعي, صالت وجالت الذكريات برأسي من صدمتي, بينما أطبق الصمت علي كل حواسي إلا عيني, رأيتها تدخل شقتها علي أطراف أصابعها, سرعان ما لحقتها لأهزم قوتها وأرميها بالداخل وبعيني ملايين الأسئلة التي تركض خلف بعضها, لم يكن السكر الذي بعقلي نتاج خمور معتقة, بل تأثير صدمة حب. هل كنت أحب عاهرة؟! كيف استطاعت خداعي؟! حاولت التنصل من أسئلتي, حاولت طردي, لكن كبريائي رفض إلا أن ينتقم, أخر مشهد أتذكره من تلك الليلة, هي نقاط الدم المتناثرة فوق صفحة السرير الأبيض, وكلمات الرسالة التي تركتها. سأسامحك علي فعلتك,ولكن سيأتي اليوم الذي تتمني لو أنك شكرتني علي رفضي لك لقد رجوت الشيطان كثيرا ألا يضعني في امتحان وليتركني أعيش كما أنابسلام, أفقت من نومي علي أصوات الأبواق مرة أخري, وصوت هاتفي يعلو... ألو مرحبا هاني..أنا دكتور فكري هل ظهرت النتيجة؟! جاءت النتيجة بما كنت أخشاه.. ..................... ...................... سأعيش الآن وقلبي مشطور إلي نصفين,تسكن سلمي نصفه, بينما يأكل الإيدز نصفه الآخر. ليلي الشعيني نجع حمادي قنا