يميل الانسان إلي أن يشعر بالأمان والراحة والسكينة, ولعل هذا الشعور يكمن وراء حاجته إلي الملكية والاقتناء, فهو يريد أن يرتكز علي أمور يتوكأ عليها ويستند إليها... ومن هذا المنطلق الاتكالي يكون الشخص حذرا.. يقتني كل ما من شأنه أن يشعره بالأمان ولكن الانسان قد ينسي أنه رغم كل ما يسعي اليه من مقتنيات وما يملكه من مال ومكانة كلها أمور خارجية عن ذاته الحقيقية فاذا كان يعتمد اعتمادا كليا علي هذا الذي يملكه فماذا يكون موقفه إن هو فقد كل ما يملك؟ ذلك ان كل ما يملكه الانسان أو يقتنيه يمكن أن يفقده في لحظة من اللحظات أو في سنة من السنوات, أو تحت وطأة موقف أو مشكلة أو أي ظرف من الظروف المباغتة!! هنا يكون الموقف الحقيقي للانسان, فاذا كان يسعي إلي إشباع حاجته للامتلاك, فانه في نفس الوقت يسعي إلي مزيد من الحماية, ولكنه اذا امتلك لا يلبث ان يفكر في أن ما يملكه قد يفقده!! فيعيش في خوف وقلق دائمين, ويصاب بالوساوس القهرية لأنه يتشبث بما يملك ويخاف من فقدانه في نفس الوقت!! فهو في خوف من المجهول فينشغل بالدفاع عن نفسه ويلوذ باحساس( الوسوسة) وتتملكه حالات من الذعر تدفعه إلي المزيد من الحصول علي الأشياء.. خوفا من النقصان وسعيا إلي الأمان المتوهم؟! هذا الانسان هو الذي حكم علي نفسه بالقلق والتوتر, لأنه تركها نهبا لعوامل خارجية, فاذا كان الانسان يتصرف في حياته بوعي ووضوح وثقة وصراحة وصدق, وأصبح يشعر بأن كيانه الحقيقي نابع من ذاته وليس معتمدا علي أشياء خارجية, وإذا كان الانسان عين ذاته بحيث لا يسمح للمتغيرات الخارجية أن تتحكم فيه, فلا يمكن أن يسلب منه شعوره بالأمن, أو تضيع منه ملامح شخصيته وتماسكها لأن مركزه موجود في ذاته وداخل نفسه وقدرته وارادته تحركها ذاته الواعية التي توظف إرادته وفكره وتساعده ارادته ان يحقق انجازاته. والشخصية الاتكالية هي التي تربط نفسها بما تملك ومن ثم تقنع نفسها بأنها لاتشعر بخوف من فقدانه, ولكن هذا السلوك الاتكالي يجعل صاحبه بمعزل عن التفاعل المثمر ويفقده في نفس الوقت الشعور بالعمل الجاد المثمر في خدمة الآخر, وكذلك يحرمه من الاسهام الفعال في تحقيق مصالحه لأنه يسعي فقط إلي أن يجعل الماضي هو الحاضر,وأن المستقبل مأمون ومضمون, فتضيع منه اعتمادا علي هذا السلوك الاتكالي قيمة الزمن وفرحة الانجاز وطعم العطاء!! السلوك الاتكالي سلوك الاستخفاء المقنع براحة مصنوعة تدفع صاحبها الي الاسترخاء الذي يجعله يعيش لحظات الآن فقط,ولكن صاحب هذا السلوك ينسي أو يتناسي ان الحاضر ليس إلا نقطة الوصل بين الماضي والمستقبل وهو بمثابة( محطة)في مسيرة الزمن لايملك الانسان الواعي الإ أن يتجاوزها الي عوالم أخري, يواجه فيها خبرات جديدة تدفع الي العمل الجاد والتفاعل المثمر والعطاء الجزيل. نحن نرفض السلوك الاتكالي لأنه يحول الانسان عن المسار الحقيقي الذي يفقده كيانه لأنه يعتمد علي الاشياء فيصبح عبدا لها ومحكوما في زمانها, واذا كان السلوك الاتكالي مرفوضا اعتمادا علي هذه الأمور غير السوية, فإن هذا الرفض مرجعه الي أن هذا السلوك يجعل صاحبه يشعر بالتكيف المصنوع المزيف, او مايمكن ان نسميه بالتكيف المضغوط ذلك التكيف الذي يجعل صاحبه يشعر بالأمن المخادع الذي لايعتمد علي أسس منطقية أو شواهد موضوعية, او يستند علي ارادة فعالة. السلوك الاتكالي الذي يستند علي هذا التكيف المضغوط المخادع يجعل صاحبه يتصور وهما ان الحياة لاتعدو أن تكون لعبة من إلعاب الحظ وهي بمثابة صفقة تجارية ومن ثم لابد وأن نبحث فيها عن( طوق النجاة) الذي يعتمد علي الإمكانية المادية والواقعية الفجة فيتصور النجاة من خلال المقدرات المادية والمعطيات الحسية وكل مايتعلق بها من أمور الرفاهية السطحية غير الواعية, أو يعتمد علي المنطق البرجماتي الذي يستند علي القيمة الفوريةcashvalve. ولابد وأن نقرر أن حاجة الانسان إلي التكيف من الأمور المهمة لأن الانسان يحتاج وفق فطرته الطيبة التي فطر عليها إلي الشعور بالراحة والأمن والهدوء, ويميل إلي تجنب كل ما يؤدي إلي التأزم من الناحية النفسية, أوما يبعث فيه القلق والتوتر بأي شكل من الاشكال لأن الانسان في سعيه الحثيث نحو تحقيق هذه الحاجة المفطور عليها يواجه المواقف والتحديات التي قد تقف عقبة في سبيل اشباع حاجاته, واذا أراد الانسان أن يحقق التكيف السوي بعيدا عن السلوك الاتكالي فعليه أن يؤدي هذه الخطوات. الخطوة الأولي: أن يحقق كفاية في عمله لأن العمل والانتاج من أهم ملامح المجتمع المتقدم, فلابد لكل فرد أن يجعل العمل محور حياته, فإذا كان عملا صالحا نري الفرد يشعر بقيمته ويحظي بمحبة الآخرين, فعن طريق هذا العمل الصالح يكتسب الانسان قوة ويطمئن لمستقبله, ويشعر بقيمته المرموقة ومركزه الاجتماعي. الخطوة الثانية: أن يكون مفهوما عن نفسه بطريقة سلمية لأن فكرة الفرد عن نفسه هي بداية الخطر النفسي اذا كانت فكرة متطرفة أو مغالية في تقديرها, وهي بداية الخير إذا كانت تعتمد علي النظرة الموضوعية الخلوقة التي تعرف حدودها وتتجنب الأخطار وتبتعد عن الغرور والاسراف في الذاتية. الخطوة الثالثة: تمتع الفرد بالمرونة والتفاعل السليم تعد المرونة من أهم الاستجابات المميزة للفرد خاصة في تعامله مع المؤثرات الجديدة أو عندما يتعرض للمواقف والخبرات الجديدة... الشخصية السوية تتعامل مع هذه المواقف بطواعية لتفهمها وتتفاعل معها, فالشخص المرن لديه القدرة علي التكيف, وهو الذي يفكر في الحلول البديلة الملائمة الخطوة الرابعة: أن يميز الفرد بين الاختيار الواعي والمسايرة الخانعة. الشخص الذي يعتمد علي الاختيار الواعي هو الذي يوظف ارادته بعيدا عن سلوك المسايرة الذي يريد أن يجعل الأمور تمشي وتسير دون أن يبدي وجهة نظر أو يتخذ قرارا وكأنه يقول لنفسه( يادار ما دخلك شر) اعتمادا علي مسايرته وخنوعه. شخصية مستسلمة تحاول أن تقنع نفسها بتجنب الصراع النفسي, وهذا الاستسلام العجيب لا تفرزه إلا شخصية ضعيفة لا تعرف كيف تتصرف بوعي وحكمة وارادة. هكذا يمكن أن نواجه التكيف المضغوط الذي يعتمد علي المسايرة ويجعل صاحبه يهرب من المواجهة والمكاشفة بالحقائق, ويبحث عن البديل غير الملائم لتمشي الأمور. ومثل هذا النموذج الاتكالي لا يعرف المواجهة ولا يعترف موضوعيا بالحقائق ويتوهم بأنه متكيف!! رابط دائم :