يلهو الصبيان فوق دبابة محترقة, فما أن يلحظا الكاميرا حتي يختفيا داخل الدبابة, يحرك أحدهما المدفع صوبنا مداعبا ثم يرفعان أيديهما بعلامة النصر, يسمي أهالي مدينة أعزاز مدينتهم ب مقبرة الدبابات الأسدية, إذ تضم الساحة المقابلة لمسجد الحاج قاضي في مدخل المدينة تسع دبابات محترقة, دمرها الجيش الحر لقوات الأسد في أثناء معركة تحرير أعزاز في يوليو الماضي. الأهرام المسائي قامت بجولة في مدينة أعزاز.. إحدي المناطق التي يسيطر عليها الجيش الحر داخل الحدود السورية. لمسجد الحاج قاضي قصة يرويها أحد سكان المدينة قائلا: إن جدرانه قصفت بعد أن احتمي به سكان المدينة من النساء والأطفال والمسنين, ويضيف متندرا: هذا المسجد بناه عضو مجلس شعب فاسد حتي لا تأخذ الحكومة أرضه قبل الثورة, ثم هدمه النظام ليقتل من فيه من مدنيين عزل في أثناء الاشتباكات. وبالرغم من استمرار القصف الجوي للمدينة من آن لآخر, فإنها أكثر المناطق أمنا في الداخل السوري, حيث تبعد أعزاز نحو48 كيلومترا غرب مدينة حلب, و7 كيلومترات عن مدينة كلس التركية, لذا فهي و احدة من أهم المناطق الاستراتيجية بالنسبة للجيش الحر, إذ يسهل من خلالها نقل المصابين والجرحي إلي المستشفيات التركية, كما أنها نقطة مهمة لتأمين الغذاء والمئونة, والاحتياجات الضرورية للنازحين في الداخل السوري, المقدر عددهم بنحو2.5 مليون سوري, لكن مع وصول القصف لذروته في أغسطس الماضي, تحولت أعزاز أيضا إلي مدينة أشباح, إذ تهدمت البيوت في عدد من المناطق, وأغلقت المحال, ولم يعد أهالي المدينة يجتمعون في منطقة ما, لأنهم إن تجمعوا صاروا أهدافا سهلة لصواريخ الطائرات التي تحوم حول المدينة من آن لآخر. واعتاد طيران جيش الأسد قصف المدارس بشكل خاص حسب علاء( سائق ميكروباص 28 عاما), حيث كانت المقصد الأول للاجئين من كل مكان, يقول: كانت الناس تأتي من القري المنكوبة, وتستوطن المدارس, لكن القصف الجوي صار يستهدف المدارس أيضا. فاطمة رزوق تبلغ من العمر30 عاما, وهي أم لسبعة أطفال, تقول: إنها انتقلت إلي حلب حين اشتد القصف علي أعزاز, وما أن استقرت هناك حتي بدأ قصف حلب في يوليو الماضي, فعاودت أدراجها إلي أعزاز مرة أخري, ترتقب فاطمة وأختها شريفة كل شاحنة تدخل المدينة للحصول علي حفاضات ولبن الأطفال, وهما المطلب الرئيسي لمعظم النساء في المدينة, وقالت فاطمة: ننتظر مع دخول أي إغاثات أو شاحنات بضائع من آن لآخر لعلهم يجلبون لنا لبن الأطفال. وعلي الرغم من كونها أحد أهم روافد الإمداد للجيش الحر, فإن سوق المدينة لا تتمتع بوجود الكثير من الاحتياجات, إذ يقول علاء: تشتري أعزاز كل احتياجاتها من تركيا, حتي القمح, برغم أن سوريا تعد من الدول المصدرة للقمح, لكن علاء يؤكد أن النظام بعد أن بدأ قصف مدينة حلب وحاصرها قطعت عنهم كل خطوط الإمداد من الداخل, وصار من الصعب الحصول علي القمح والسولار. يعمل علاء علي توصيل العائلات الراغبة في النزوح من أعزاز إلي الحدود التركية, ويصطحب علاء أيضا الوفود الصحفية الأجنبية خلال زيارتها للمنطقة, ويشير إلي ارتفاع أسعار السولار بشكل كبير منذ اندلاع الثورة, إذ وصل سعره إلي105 ليرات تركية( أي ما يقارب420 جنيها) بدلا من20 ليرة تركية( نحو80 جنيها) علي أقصي تقدير. وقد اضطرت بعض العائلات إلي استخدام المازوت كبديل لغياب الغاز والكهرباء التي تنقطع لفترات طويلة, وتروي سوزان أنها صارت تستخدم المازوت, وهو الأمر الذي تسبب في إصابة وليدها البالغ من العمر40 يوما بضمور في الجسد, وأرجع الأطباء سبب هذا الضمور إلي التلوث الحاد الذي تعرض له الرضيع, جراء استنشاق الدخان الناجم عن المازوت حسب زعم سوزان. سوزان أم لأربعة أطفال, وكانت مصرة علي ألا تخرج من دارها في جسر الشغور مهما حدث, لكن مرض الصغير أجبرها علي النزوح, وما أن خرجت سوزان حتي أتاها خبر قصف منزلها, وهي في الطريق إلي الحدود التركية. تعاني أكبر صيدلية في المدينة نقصا شديدا في الأدوية, ويتحفظ صاحب الصيدلية علي الكثير من الشائعات والأخبار المتداولة عن مدينة أعزاز ومعركة تحريرها, حيث ينفي بشدة أن يكون النظام قد استخدم أسلحة كيميائية ضد أعزاز قائلا: لا أحب المبالغات, فهي تساعد النظام علي التوحش أكثر, وتكسر له التابوهات, فماذا لو أعلن اليوم أنه استخدم سلاحا كيميائيا, ولم يهب العالم لنصرتنا!!, سيستخدمها غدا لأنه أدرك أن العالم غير مهتم وما من مجير. يدلل صاحب الصيدلية الذي رفض ذكر اسمه علي المبالغات التي يتم تداولها في الإعلام عن الوضع في سوريا, بشاحنة انقلبت علي أول طريق المدينة, وادعي البعض أنها كانت تحمل سلاحا كيماويا قائلا: لم تظهر في المدينة أي أعراض حساسية, أو حكة جلدية, أو إصابات مرتبطة بالأسلحة الكيميائية. يقضي صاحب الصيدلية خمس ساعات إضافية عن مواعيد العمل في المدينة داخل صيدليته, مؤكدا أنه رفض حمل السلاح مثل أصدقائه قائلا: إن لديه عشرات من أصدقائه في الجيش الحر, إلا أنه يجاهد في عمله, وقال: يأتيني مرضي من كل الأطراف, بعضهم من الجيش الحر, وبعضهم من الموالين للنظام, أو يري أن الثورة أفقدته كل شيء, وأساعدهم جميعا لأنني كإنسان لا أستطيع أن أتخلي عن قسمي الذي أقسمته. يشتري الصيدلي الدواء من الداخل السوري بدلا من تركيا, لأن أسعار الدواء في تركيا غالية جدا وتصل من5:10 أضعاف سعر الدواء بسوريا, وهو ما لا يتحمله المواطن السوري حسب الصيدلي, قائلا: نتحمل مخاطرة أن يلقي النظام القبض علي الشاحنة فيضيع الدواء والسائق, حتي نخفف معاناة الناس في أسعار الدواء. ويضيف الصيدلي أن أكثر الأدوية المطلوبة هي أدوية السكر, والقلب, وأدوية الأطفال.