الكل يري ويرقب ما يحدث بمصر والكل لا يعرف علي وجه التحديد ما ستؤول إليه الأوضاع ولكن هناك إحساسا لدي البعض بل هو قراءة منطقية لذلك الواقع الذي لم نر مثله تاريخيا. ولم يحدث أن انقسم الشعب المصري علي نفسه أيا تكن نسبة الانقسام ولم يحدث ان رأينا مثل ذلك الجدل السياسي وذلك الاختلاف كما يري البعض ولكن في حقيقة الأمر هو خلاف يصل إلي حد التصادم ولا يعرف المهادنة وقد لا يقبل الحلول أو المنطقة الوسطي من النقيض الي النقيض بالنسبة لقطبين او طرفين وهناك شريحة كبيرة وعريضه تقف ما بين الاثنين حائرة هي في كل مرة هي من تحسم ذلك الجدل وتلك المعارك وذلك بنزولها الي الشارع او اقتناعها من الاطراف.. حقيقة قد تكون هذه هي الديمقراطية في مظهرها وأيضا جوهرها ولكنها قد لا تكون ممارستها بالكيفية وإن كنا لا نقول الصحيحة ولكن علي الاقل بالكيفية التي تتوافق مع طبيعة المرحلة التي تعيشها مصر. نحن لا نختلف بالفعل علي دستور ولكن ذلك هو الظاهر علي السطح ولكننا نختلف علي العديد من الامور والاساسيات نختلف لاننا لا نأمن لبعضنا البعض نختلف لاننا نقع داخل دائرة الشك الذي كان ولايزال وسيظل هو المحرك الاساسي لكل التصرفات التي تحدث لأن الأمر لا يتعلق بالدستور وليس هو العلة ولكن ما وراء الدستور من هوامش وافكار وخلفية كل طرف عن الطرف الآخر فالدستور ما هو إلا مجموعة من المبادئ والقواعد والسوابق التي تحدد طبيعة النظام في الدولة وتحدد أيضا علاقة مؤسسات الدولة بعضها ببعض ولاسيما السلطات الثلاث الأساسية التي ركز عليها مونتسكيو ولوك وهوبز وهي السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية وقد يمتد الأمر علي نحو أكثر تفصيلا ما بين المؤسسات وهيئات الدولة رئيس الوزراء والوزراء والهيئات والإدارات الخدمية ولا يقتصر الامر عند ذلك الحد فقط ولكن ايضا يمتد الي تحديد العلاقة بين المواطن والدولة من خلال تحديد قائمة الحقوق التي له عند الدولة وكيفية حمايتها وهو يقال أنه أبو القوانين بمعني أن جميع قوانين الدولة تستمد منه وأنه في حالة تعارض أي من هذه القوانين أو تجاوز ما نص عليه من مبادئ فهو يطلق عليها في هذه الحالةultravires بمعني أنها متجاوزة ومن ثم فهي من خلال التقاضي تعد غير دستورية ولابد من إسقاطها ذلك هو الدستور.. أن قراءة عملية كيفية تطور صناعة الدساتير وما هي البدايات الأولي لها بمعني ما هو اول دستور وقد نري ذلك في تلك الوثيقة السومرية التي وجدت في عام1877 بالعراق للملك السومري والتي تعد اول تشريعcode قانوني مكتوب وقد عبرت هذه الوثيقة عن أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية حيث أنها قد نصت في هذه الحفرية التي يعود عمرها الي عام2300 قبل الميلاد علي إعفاء الأرامل والأيتام من الضرائب وفي ذات الوقت حماية الفقراء ضد طغيان الأغنياء ثم تطور بعد ذلك ومنها تلك الوثائق أو التشريعات التي ظهرت في عام205 قبل الميلاد مثل قانون حمورابي وقانون الأشوريين وهي كلها كانت تركز علي محاولة الحد من سلطات الملك وتنظيم العلاقة ما بين السلطات وهو ما تصبح في إعلان ميثاق الحريات للملك هنري الأول والذي اقتصر علي تقييد سلطة كل من الكنيسة والنبلاء وقد كان ذلك الإعلان في عام1100 ولكن البارونات قد قاموا بتطوير ميثاق الحريات وقد ضغطوا علي الملك جون لكي لا يمرره فيما يعرف ماجنا كارتا وقد كان ذلك عام1112 وقد كان لأول مرة ينص علي تقييد سلطة الحاكم القضائية وأنه ليس للسلطان أن يحكم علي اية شخص بالسجن أو النفي خارج البلاد أو تجريده من صفاته وملكيته وذلك لمجرد نزوة أو هوي في نفسه من خلال قرار يصدره ولكن المادة(39) من الماجنا كارتا قد اشترطت عليه ان يخضع ذلك للقانون وأن يكون حكم القانون وتطبيقه هو الذي يسري بما أطلق عليه لابد وأن يكون يسبق ذلك عملية قانونيةprocesslow ينجم عنها حكم قضائي شرعيlegal,judgment تلك هي أساسيات في وضع الدساتير وبعد ذلك رأينا ما عرف بدساتير عصر التنوير أو الدساتير التنوير التي تعد مرادفا للدساتير الديمقراطية والتي طورها كل من لوك وهويز ومونتسكيو والتي رأوا فيها أن المجتمعات قد تطورت وأصبحت مدنا ودولا وقد كان يسودها القاعدة الصوفية أو القواعد العرفية لذلك فقد رأوا أنه لابد وأن يكون هناك دستور وأن ذلك الدستور لابد وأن يأخذ في الاعتبار مجموعة من العناصرelements الأساسية التي يمكن أن يتم الجمع بينها بطريقة ما أو علي نحو معين تؤدي إلي تلك الصنيعة أو الصياغة التي توازن بين مختلف الميول وذلك هو جوهر الدستور وأيضا القواعد المهمة في الصياغة للدساتير والتي قد كان هناك بعض العلماء الذين حاولوا أن يضعوا محددات لهذه الصياغة أو الكيفية التي تصاغ بها هذه الدساتير والتي يتوقف عليها في النهاية مدي توفر عنصر الشرعيةlegitimacy وأيضا مدة بناء ذلك الدستورlongevity وتلك القواعد قد تم تحديدها وتطويرها فيما بعد من خلال المفكرين السياسيين أمثال مونتسكيو ولوك وبوليس في عصر التنوير بمعني ما هي الصياغات التي يجب أن تسود فيما يعرف بالدساتير الديمقراطية وقد رأوا أن هناك ما يعرف بدولة الطبيعة والتي تختص بها مجموعة القوانين الطبيعية أو ما يسمي فيما بعد بالدستور الطبيعي وأن هناك أيضا حالة او دولة المجتمع او المجتمعية وهذه تتم من خلال وجود العقد الاجتماعي وهو عقد غير مكتوب وهو الذي ينظم العلاقات ما بين افراد المجتمع والتعاملات التي تتم بينهم وهو يعد دستورا غير مكتوب ويعبر عن واقع ذلك المجتمع والعلاقات القائمة وأيضا ما يقال عنه التطوير أو الفعل التاريخي وأن ذلك يشكل ما يعرف بالدستور الاجتماعي وهنا يوجد الأساس الذي عليه تقيم الحكومة الدستور التشريعي أو ما يعرف بالنص التشريعي الواحد أو الوثيقة الواحدة وأن هناك قاعدة مهمة وهي أن ضرورة توافر الاتساق والقوانين مع كل دستور علي الدستور الذي يسبقه يعد أحد الشروط المهمة حتي يمكن أن يكتسب شرعيته ومن ثم فإن الدستور السياسي لابد وأن يتوافق ويتسق مع الدستور الاجتماعي وذلك هو أحد العوامل الجوهرية لشرعيته أي الدستور السياسي ولم يتفق العلماء عند ذلك الحد بل قالوا بأن هذا الدستور لابد من حدوث حد أدني من الرضا عنه بالنسبة لأعضائه إذا ما اعتبرناه دستورا خاصا بشركة ويقال أن ذلك الدستور يتضمن مجموعة من المواد والصلاحيات وعند تطبيقه قد يكون هناك حاجة لإصدار مجموعة أخري من الصلاحيات لحل المشاكل التي ترتبت علي الصلاحيات الأولي وأيضا حذف أية صلاحية أو مادة لا تثبت أية فاعلية لها والأخطر من هذا أنه في حالة عدم التوافق علي ذلك الدستور وعدم حل هذه المشاكل الناجمة عنه فإن ذلك سوف يؤدي إلي إثارة مجموعة من الصراعات غير القابلة للحل ذلك هو ما قال به العلماء وعلينا أن نقيس ما يحدث لدينا عليه. دكتوراة في العلوم السياسية [email protected] رابط دائم :