00 والمشكلة الأولي التي أوجدت هذه الازمة الإقتصادية, نشأت من وجود حاجات متعددة للأفراد لا تكفي الموارد المحدودة لإشباعها,وحاولت النظم الجماعية إيجاد الحلول فلم تفلح, وتحاول اليوم النظم الفردية أن تقدم الحل المناسب للقضاء علي هذه المشكلة أو الترقيع لها فلم تصل إلي نتيجة,فالنظم الفردية تحاول إعطاء الفرد الحرية الواسعة, لأن الفرد في رأي هذا المذهب الرأسمالي, وهو موضوع بحثنا, هو الغاية من النظام الإقتصادي, وبذلك يكفون يد الدولة من التدخل في الشئون الإقتصادية, وقد تعرض هذا الرأي لهجوم عنيف من قبل أنصاره ودعاته, لأنه أدي إلي التضارب بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة,وأصبحت المصالح الجماعية فريسة لمطامع الأفراد,واليوم يئن النظام الجماعي في العالم الغربي أمام مطامع الأفراد التي تظهر بشكل واضح في الإحتكارات العالمية, والتكتلات المالية التي تقع علي عاتق الفرد المستهلك. تري الدراسة الصادرة عن المركز العربي للابحاث ان الرأسمالية مذهبا تتبعه الحكومات فهو نظام اقتصادي يقضي في الأغلب الأعم بأن يتملك الأفراد أو الشركات كافة وسائل الانتاج والتوزيع والتبادل التجاري,إنه النظام المتبع في الدول المتقدمة صناعيا في عالمنا الحاضر. وأول اتخاذ للرأسمالية كمبدأ اقتصادي كان في القرن الثالث عشر, ذلك أن فكرة القيام بالأعمال الحرة قد طرات علي أذهان التجار وأصحاب المصارف الذين عارضوا نظام المجتمع الاقطاعي الذي كانوا يعيشون فيه وأصبح يطلق لقب البورجوازيين علي هؤلاء التجار, ولما انتشرت الأفكار الحرة في القرن السادس عشر أصبح عملهم أصولا معمولا بها في ممارسة الحريات الاقتصادية. وفي القرن الثامن عشر كان الطراز الاقتصادي للحكومات الأهلية تجاريا بحتا حتي إذا نشبت الثورة الصناعية في منتصف القرن الثامن عشر أصبح المبدأ الرأسمالي عاما ثابت الأركان. تطور الاقتصاد الأوروبي من مرحلة الاقتصاد الإقطاعي إلي مرحلة الرأسمالية التجارية, ولكن الرأسمالية لم تقف عند هذا الحد بل تطورت ونمت, حتي وصلت في القرن الثامن عشر إلي الرأسمالية الصناعية, نتيجة الثورة الصناعية, التي ظهرت في منتصف هذا القرن, والتي ادت إلي التعجيل بنهاية الرأسمالية التجارية من جهة, وإلي تغيير وتطور الفن الانتاجي من جهة أخري حتي أصبح هناك زيادة هائلة في ميادين الإنتاج المختلفة, نتيجة إحلال الآلات الصناعية محل الاعمال اليدوية والأدوات البسيطة التي كانت مستخدمة من قبل في الانتاج, الأمر الذي جعل قطاع الصناعة نتيجة هذا التطور في الفن الانتاجي مغريا للاستثمارات, حيث جذب الكثير من رؤوس الأموال إليها, ولهذا سميت الرأسمالية في هذه الفترة والتي ما زالت قائمة باسم الرأسمالية الصناعية. وقد اعتمد النظام الرأسمالي في فترة الرأسمالية الصناعية علي الحرية الاقتصادية التي نادي بها آدم سميث, الذي ظهرت أفكاره وسط هذا التطور, حيث دعا إلي إلغاء كافة القيود التي كانت تفرض علي التجارة الداخلية والخارجية, وعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية, كما كان الأمر في ظل الراسمالية التجارية, إلا بما يكفل الأمن والعدالة وحماية الملكية الفردية, غير أن هذا النظام الرأسمالي الذي يعتمد علي الحرية الاقتصادية المطلقة وبشكله الكلاسيكي القديم لم يعمر طويلا في الدول الرائدة في النظام الرأسمالي في ذلك الوقت, كبريطانيا وأمريكا فلم يعمر في بريطانيا علي سبيل المثال لأكثر من نصف قرن وهو النصف الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي وعندما أدخل عليه بعض التعديلات والتدخلات الحكومية لمعالجة مساوئه, إذ كانت الدول الرأسمالية تفرض الرسوم الجمركية, وتمنح الإعانات والدعم لبعض القطاعات الاقتصادية. لقد شكلت الرأسمالية استعمارا حديثا مستمدا من تراكم الثروات ورأس المال وتطوير تقنيات السلاح والتقدم العلمي والصناعي.والرأسمالية هي المسئولة عن المجازر والكوارث في أفريقيا, فالفقر وضعف الخدمات والبطالة هي النصيب المشترك لأغلبية الدول الخاضعة لقانون الإصلاح الهيكلي.ECONOMICReformandstructuraladjustmentProgram إن هذا النظام مستمر في صنع عذاب مليارات البشر وفي نهبهم بإبقائه ثلث البشرية في مستوي حياة القرون الوسطي الأوروبية, ذلك أن قانون الربح يبقي مليارين من الرجال والأطفال في مستوي العام1000 ونصفهم لا يعلمون حتي ما إذا كانوا سيأكلون غدا. بعد وقوع الأزمة المالية الأخيرة, قال البعض إنها أزمة الرأسمالية, وبعضهم قال إنها أزمة النموذج الأمريكي, والحق أنه مهما قالوا فإن الثابت أن الإدانة إنما هي للمبدأ الرأسمالي برمته, وأن كل ما يقال من أن الأزمة هي أزمة نظام مالي وأزمة ائتمان وأزمة للاقتصاد الأمريكي إنما هو تأكيد وتفصيل, ولا يلغي القول بأن الذي يتحطم هو أركان مبدأ الرأسمالية, فالنموذج الأمريكي هو نموذج ينتمي لتلك الحضارة, والحديث عن النموذج الأمريكي لم يعد منطقيا خاصة وأن الاقتصاديات الأوروبية والرأسمالية كلها أخذت تتصدع علي التوالي, بل علي التوازي, رغم بعض الفوارق سابقا بينها في أسلوب تطبيق الرأسمالية. والسوق الحرة والنظام المالي والائتمانات والتعاملات البنكية التي وصفوها بالمنفلتة ما هي إلا تطبيق للرأسمالية بلا قيود, فالأنماط والأماكن والأسواق التي ضربتها الكارثة تنتمي للرأسمالية قلبا وقالبا وليست دخيلة عليها, بل إن الذي وقع إنما وقع والرأسمالية في أوج تطبيقها, وتفردها, وغياب أي نظام ينافسها عالميا. إذن فالصرح الغربي ينهار, وتلك الحضارة أفلست مع إفلاس البنوك والشركات, وأفلست مع إعلان جنرال موتورز عملاق صناعة السيارات الأمريكية إفلاسها في2009, إذ إنها قد استهلكت نماذجها ولم تعد تستطيع تقديم المزيد. إن رأس المال الغربي قد صار من الضخامة بحيث أصبح عبئا; لأن معدل الأرباح صار يقل كلما زاد استثمار رأس مال جديد في الاقتصاد الحقيقي في الدول الكبري الرأسمالية, ومن هنا فإن ضخامته صارت ثقلا, فكان الابتكار في نقله من سوق الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي إلي سوق المال, ومن نقله محليا إلي إطلاقه لجني الأرباح عالميا فيما عرف بالعولمة, ولم تكن الخصخصة إلا استجابة من الاقتصادات التابعة في الدول الضعيفة لمتطلبات حركة رأس المال, وبالتالي كانت الخصخصة تعني إيجاد أسواق مفتوحة يمكن أن يتحرك فيها رأس المال, ولو أن ذلك يعني خصخصة القطاعات الضرورية للناس, ومع ذلك فان هذه العولمة قد شكلت للرأسمالية مقتلا وذلك بإعطاء الأزمات إمكانية الانتشار السريع مثلما أعطتها إمكانية التوسع لجني الأرباح, وهو الأمر الذي جعل من أي هزة قادرة علي إصابة النظام برمته, فالعولمة هي استمرار نهج الجشع مع اختلاف أفراد السوق من سوق محلي إلي عالمي, ومن كونهم أفراد إلي أفراد ودول. ومن هنا كانت أزمة العالم والإنسان مع الرأسمالية, إذ علي مدي فترات طويلة من هذا النظام أفلست دول وجاعت شعوب وافتقرت, ونهبت موارد ونضبت أخري, وغرقت بلاد بالديون للدول الكبري وبنوكها ومؤسساتها الدولية, وانهارت أسواق المال وارتفعت أسعار الغذاء وانهارت العملات وفقدت بلاد احتياطياتها, هذا هو واقع الحال منذ أن أصبح العالم يعيش في ظل الرأسمالية, و ينبغي ألا ننسي أن الفقراء في الدول النامية أكثر عرضة للخطر إذا انهارت اقتصاداتهم وواقع الفقر هذا لم يطل البلدان التي يسمونها نامية فقط, بل طال حتي الأفراد في الدول الأوروبية وأمريكا, إذ بلغت طلبات الإعانة الحكومية بها أكثر من12 مليون طلبا, أما أرقام البطالة فصارت بالملايين هي الأخري, وعلي سبيل المثال فقد تم في أمريكا تسريح أكثر من6 ملايين عامل منذ نهاية عام2008 م ولازال تسريح العمال بمئات الآلاف كل شهر جاريا, طبعا كل ذلك عدا عن إغلاق الكثير من المصانع الكبري وأفرعها وتوقيف خطوط الإنتاج وتسريح الملايين من العمال في أوروبا وأمريكا, وإفلاس شركات كبري. إذ أفلس حوالي37 بنكا في أميركا منذ بداية2009 فقط. يقول المؤلف إن للرأسمالية قدرة علي المناورة والبقاء ولو لفترة وفق آليات ومعالجات داخلية خاصة ومتبدلة, والاستفادة من التطور العلمي المستمر والخارق, ونتيجة للإمكانات الهائلة التي يوفرها النهب والاستغلال الداخلي والخارجي للشعوب والأمم والبلدان الأخري, وبسبب قذارة ووحشية الأساليب المستخدمة في الصراع والبقاء, ولذلك كله, فإننا عندما نتكلم عن إفلاسها كحضارة فإننا لسنا بالضرورة نتكلم عن سقوط فوري, لا شك أنها تترنح ولكن دولها لازالت قائمة وكذلك هيكلها العام وإن أصبح خاويا, وسقوطها مع سقوط كياناتها سقوطا ماديا محسوسا قد يعتمد علي أمور أخري إضافة لإفلاس النظام ذاته, وإن كان هو من أهمها, غير أن ذلك لا يعني أن العالم لم يضق بها ذرعا. يري المؤلف ان الإفلاس الحضاري للرأسمالية ونقمة الشعوب عليها يقابلها الآن صعود الإسلام, إذ إنه مع كثرة الانتقادات التي وجهت للرأسمالية وخاصة في الأزمة المالية العالمية الأخيرة فقد صاحب ذلك ذكر الإسلام والتذكير بمبدئه ونظامه الاقتصادي, ولم يقتصر الأمر علي طغيان ساحق لهذه الفكرة بين المسلمين في البلاد الإسلامية, وإنما تجاوز الأمر ذلك ليكون هذا الطرح من قبل مفكري الغرب أنفسهم واقتصادييه, سواء أكانت الدعوات لتناول أحكام الإسلام عموما ومراجعة أنظمته الاقتصادية, أم كانت لتناول بعض أحكامه, أو حتي المشابهة لبعض المؤسسات المصرفية التي تطرح علي أنها مؤسسات إسلامية مع ما في هذا النموذج من نقص. فمثلا رئيس تحرير مجلة تشالينجر يوفيس فانسون كتب في افتتاحية المجلة من عدد أكتوبر الماضي مقالا بعنوان البابا أم القرآن أثار موجة عارمة من الجدل في الأوساط الاقتصادية تساءل فيه عن أخلاقية الرأسمالية؟ ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا الاتجاه والتساهل في تبرير الفائدة منه, مشيرا إلي أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودي بالبشرية إلي الهاوية. وتساءل الكاتب عن موقف الكنيسة مستسمحا البابا قائلا: أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلي قراءة القرآن بدلا من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا; لأنه لو حاول القائمون علي مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات, وما وصل بنا الحال إلي هذا الوضع المزري; لأن النقود لا تلد النقود. وفي الإطار ذاته ولكن بوضوح وجرأة أكثر, طالب رئيس تحرير صحيفة( لوجورنال دي فاينانس) رولان لاسكين في مقال له بعنوان هل تأهلت وول ستريت لاعتناق الشريعة الإسلامية طالب بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جراء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة.