روي الإمام البخاري وغيره واللفظ للبخاري بسنده عن أنس بن مالك قال لأحدثنكم حديثا لايحدثكم أحد بعدي سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل ويظهر الزنا وتكثر النساء ويقل الرجال حتي يكون لخمسين امرأة القيم الواحد.( رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والإمام أحمد) في هذا الحديث الشريف يقسم أنس بن مالك رضي الله عنه علي أنه سيحدث من حضر عنده حديثا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لايحدثهم به أحد بعده فذكر عدة أمور من أشراط الساعة فلماذا أقسم أنس علي ذلك؟؟ ونقول ان أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم جاءت به أمه أم سليم لرسول الله صلي الله عليه وسلم بعد الهجرة فقالت هذا أنس غلام يخدمك فقبله النبي صلي الله عليه وسلم وقالت أمه: يارسول: ادع الله له, فقال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه, يقول أنس: فلقد دفنت من صلبي سوي ولد ولدي مائة وخمسة وعشرين, وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين, وفي رواية: أن الرسول دعا له فقال: اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة,قال: قد رأيت اثنتين وأنا أرجو الثالثة, لازم رسول الله صلي الله عليه وسلم عشر سنين وبقي في المدينة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم ثم شهد الفتوح ثم سكن البصرة ومات بها وقد تجاوز المائة وكان آخر الصحابة موتا بالبصرة(2) ولذلك أقسم أنس علي أنه سيحدث أصحابه حديثا لايحدثهم به أحد بعده حيث لم يبق أحد من الصحابة في البصرة ممن سمع هذا الحديث حتي يحدثهم به, وفي هذا القسم لفت لأنظار من يستمع اليه إلي أهمية ماسيحدثهم به, إذ هو المصدر الوحيد الذي يستقون منه ما أخبرهم به, وما أخبرهم به ليس من الأمور التي يستحسن للمسلم أن يتحلي بها ويمكنه أن يعرف ذلك من طريق آخر,إنما هي أمور تتعلق بعلامات ليوم القيامة فتحتاج الحذر والاستعداد التام للقاء الله..ونتساءل كيف أخبر أنس عن هذه الأمور؟ وماهي حقيقتها؟؟ ونقول لقد بدأ أنس حديثه بالتشويق لما سيخبرهم به كما رأينا في قسمه علي أنه سيخبرهم بحديث مهم إن فاتهم سماعه فلن يسمعوه بعد ذلك لأن من حمله ومن سمعه من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم قد ماتوا ولم يبق منهم حيا سواه, كما أنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم, فلم يكن هذا الحديث عن طريق سماعه من أحد الصحابة, إنما هذا حديث سمعه من في رسول الله صلي الله عليه وسلم وعاه قلبه وأدركه فؤاده وبقي عشرات السنين في ذاكرته فهو الآن يحدث به وذكر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه بين لهم من علامات اقتراب ساعة النهاية التي يأذن الله فيها بزوال الدنيا ورجوع العباد إليه للحساب والجزاء عدة أمور, أولها أن يقل العلم ويظهر الجهل,وإنما يكون ذلك بموت العلماء حتي إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فانظر إلي حال الناس الآن لتري هذه العلامة واضحة كل الوضوح,وفي هذا تحذير للأمة لتلوذ بعلمائها العلماء, من تثق في دينهم وأخلاقهم, ودعوة لمن اختاره الله وشرفه بحمل أمانة علم هذا الدين أن يبذل قصاري جهده في نشر هذا العلم حتي لايفتن الناس في دينهم فتراهم يفعلون أفعالا ويقولون أقوالا ظنا منهم أنها من دين الله وليست من دين الله في شيء, والأمر الثاني في أشراط الساعة: ظهور الزنا أي انتشاره وفشوه,وهذا إنما يكون حين ينضب معين القيم النبيلة والأخلاق الكريمة, وينصرف الآباء والأمهات عن تربية أبنائهم علي منهج كتاب الله وهدي رسول الله الي تحصيل أسباب الرزق, وحين لاتتاح الفرص للشباب للزواج مع فتح كل ألوان الإثارة أينما ساروا وحيثما حلوا حينذاك تنتشر العلاقات الآثمة ويقع هؤلاء في الفاحشة دون خوف من الله أو خوف من سلطان قانون, ولعلك تلحظ كثرة الجمعيات الخيرية التي تجعل علي رأس أنشطتها كفالة الأيتام, ومعظمهم من اللقطاء فاليتيم هو الذي مات أبوه أما اللقيط فهو الذي جاء من سفاح فألقي به في شارع أو مزبلة أو أمام مسجد ويجب علي من رآه أن يلتقطه وأن يحفظ عليه حياته, وحسبنا الله ونعم الوكيل, أما العلامة الثالثة فهي: كثرة النساء وقلة الرجال, حتي يكون لخمسين امرأة قيم واحد, وهذا يعني انتشار الفتن وكثرة الحروب التي يقتل فيها الرجال فتبقي النساء لاعائل لهن ويتبع الرجل العدد الكثير من النساء من زوجات وبنات وأخوات وعمات وما الي ذلك, أو أن الله بحكمته يجعل قلة من الذكور تولد في آخر الزمان أما الكثرة فهي من الإناث, وربما تري دليل ذلك الآن فيما تراه من زيادة نسبة المواليد من الذكور علي المواليد من الإناث, وذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم في رواية أخري: انتشار شرب الخمر, وانتشار ذلك يعني الاستهانة بحدود الله, مما يؤذن بحلول نقمة الله, وإنما خص هذه الأمور بالذكر كما يقول الحافظ ابن حجر: لكونها مشعرة باختلال الأمور, التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد,وهي الدين لأن رفع العلم يخل به, والعقل, لأن شرب الخمر يخل به, والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما قال الكرماني: وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا, ولانبي بعد نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, فيتعين ذلك والله المستعان