منذ انتصار الثورة الإيرانية عام1979, وهي تضع نصب عينيها التوسع في محيطها ونشر مفاهيمها في الدول المجاورة. وحيث توجد أقليات بإمكانها استغلال أوضاعها, لم تكن تملك الثورة الإيرانية رؤية واضحة وموضوعية لإدارة الدولة الإيرانية ومؤسساتها, ولا مشروعا سياسيا واضح المعالم والتوجهات لتحديد مسار العلاقات مع العالم الخارجي, ولا رؤية إنمائية أو اقتصادية لمعالجة الأزمات المعيشية الداخلية, التي علي أساسها وبسببها انطلقت الثورة الشعبية في إيران سعيا للتغيير نحو الأفضل. كل هذا دفع الخميني إلي إطلاق مشروعه لضبط الساحة الداخلية الإيرانية بمفهوم ولاية الفقيه, لإعطاء الثورة طابعا دينيا ومفهوما عقائديا, وولاء مطلقا يمنع الاتباع وحتي المواطنين من المعارضة وحتي التفكير في المساءلة. مما يطلق يد النظام وأركانه في إدارة البلاد بشكل مطلق وتعد المؤسسات التي نراها ونسمع عنها من مجلس للشوري وبرلمان منتخب ورئيس للجمهورية, وليس إلا للتغطية علي طبيعة النظم الدينية السلطوية. ويقول حسان القطب مدير المركز اللبناني للدراسات في دراسته إن السلطة الحقيقية في إيران في يد شخص يعيش في الخفاء يدعي علي خامئني يبلغ من العمر70 عاما, ويشرف علي الزعامة الدينية والجيش والقضاء وعلي قسم كبير من حراس الثورة وأوساط الدعاية والإعلام. أما وزارة الخارجية فتديرها لجنتان تهتمان بالبحوث والدراسات وتقديم النصائح, تتبعان لمرشد الثورة الإسلامية الذي تبقي كلمته هي الأخيرة الواجب التقيد بها سواء علي صعيد العلاقات الخارجية أم علي صعيد الملف النووي. وقد قام النظام الإيراني بنشر هذا الفكر وهذه المفاهيم داخل إيران وخارجها لإضفاء صفات ومواصفات إلهية وسلطوية علي نظامه تجعل من جميع المعجبين به أو المستفيدين منه أو التابعين له يعتبرون أن نجاح هذا النظام هو نجاح للأمة وللمشروع الإلهي الذي يقوده هذا النظام ويرعاه. وفي موازاة العمل علي إضفاء الصفات غير العادية علي الولي الفقيه وممارساته وقراراته, يقوم فريق من داخل النظام الإيراني ومن تابعيه في مختلف أرجاء العالم الإسلامي, إلي جانب مهمة نشر القلاقل والصراعات الداخلية بمهمة الدفاع عن النظام ومسلماته وقدسيته بالهجوم المباشر علي الأنظمة العربية والإسلامية واتهامها بالرجعية والعمالة وخدمة مشاريع الغرب والولاياتالمتحدة وإسرائيل, وهي شعارات الهدف منها إخفاء حقيقة الأهداف المبيتة لهذا النظام وأعوانه. حيث تعاون النظام الإيراني مع الولاياتالمتحدة في احتلال العراق وأفغانستان ويفاوض الغرب مجتمعا والولاياتالمتحدة بشكل خاص علي تشريع برنامجه النووي مقابل مساهمته في تخفيف حدة الصراع في أفغانستان والعراق ولبنان. وكان وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي قد أعلن استعداد بلاده للمساهمة في تخفيف حدة التوتر في أفغانستان لمساعدة قوات التحالف الغربي وبالطريقة التي ساعدت فيها بلاده التخفيف من حدة التوتر في لبنان. ويقول وزير الخارجية الإيراني إذا الأزمات المفتعلة في دول الجوار والمنطقة هي بهدف فرض واقع سياسي وأمني إقليمي ودولي جديد.. ليس بهدف مواجهة المشروع الأمريكي, الصهيوني ومحاربة إسرائيل ومشاريعها التوسعية ولكن بهدف حصول إيران علي دور معترف به دوليا وإقليميا يمكنها من التأثير في مجريات الأحداث. وبهدف تنفيذ هذا المشروع كان لابد من ضرب المملكة العربية السعودية وحضورها وتأثيرها الديني والسياسي والاقتصادي في الواقع العربي والإسلامي. يشير المؤلف إلي انه بعد أن شعر النظام الإيراني بأن الوضع قد يستتب لصالحه في العراق في المستقبل القريب نتيجة تعاونه مع الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين والتي تملك حدودا برية مشتركة طويلة مع المملكة العربية السعودية, كان لابد له من تحريك الصراعات داخل جبهة اليمن الداخلية بما يسمح للنظام الإيراني بالتدخل والمشاركة في معالجة الأوضاع, ليكون النظام الإيراني في تماس مباشر مع حدود المملكة العربية السعودية ومن جهات عدة ولتحقيق ذلك ليس من وسيلة أنسب من إشعال فتن طائفية تبقي في حدود الضبط الداخلي بحيث لا تخرج عن السيطرة والربط الخارجي بالنظام الإيراني الذي يسارع للاستنكار وإعلان الاستعداد لمد يد العون لإطفاء الحريق في الوقت نفسه حيث اتهم مسئول عسكري إيراني رفيع السعودية ب قتل الشيعة في اليمن واصفا شن الرياض الحرب علي الحوثيين ب الإرهاب الوهابي.. وقال رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة في إيران اللواء حسن فيروز آبادي إن قيام السعودية بقتل الشيعة في اليمن يمثل بداية للإرهاب الدولي الوهابي الذي يعتبر خطرا كبيرا علي الإسلام والمنطقة. بعد هذا التصعيد الكلامي الطائفي والمذهبي والذي يفضح أن تمرد الحوثيين ليس له أيه خلفية اقتصادية أو سوء معاملة من قبل نظام اليمن بل هو بهدف السماح للنظام الإيراني بمد يده إلي الحديقة الخلفية للمملكة العربية السعودية ليحيط بها من كلا الجانبين( العراق.. واليمن) وليحرك مجموعات مؤيدة له داخل المملكة لتسنح له فرصة التدخل في المملكة. من هنا لا يمكن النظر إلي خطورة المشروع الذي انخرط في تنفيذه الحوثيون إلا بمراجعة علاقتهم بالنظام الإيراني, والتصريحات الإيرانية التي تسعي للمساومة عليهم ولهم, فمقابل التجاوب مع المطالب الإيرانية ستقوم هذه الأخيرة بمطالبة حلفائها بالتوقف عن القتال لتكون بذلك قد أسست لحضور الحوثيين وتنظيمهم سلاحهم ودورهم داخل اليمن وسلطته التنفيذية.. ويكون لهم مربعهم الأمني الخاص علي حدود المملكة العربية السعودية لتهريب السلاح والمخدرات إلي داخل المملكة السعودية بخلاف التواصل مع الأقليات التي تعيش بأمن وأمان داخل المملكة وحثها علي التمرد وإشعال القلاقل والنعرات الطائفية والصراعات المذهبية, مستندين إلي تنظيم مرتبط بغرفة عملياته في طهران مباشرة ويعمل في خدمتها ومستعد لإشعال صراعات ومناوشات يومية ومحدودة علي الحدود اليمنية السعودية المشتركة ويكون علي المملكة حينها أن تواجه جبهات ثلاث, حدودها المشتركة مع والحوثيين علي حدودها المشتركة مع اليمن والأقليات في الداخل المدعومة من قبل إيران ونظام ولاية الفقيه, مما يستنزف طاقات المملكة المالية والعسكرية ويهدد استقرارها السياسي والأمني والاقتصادي ويقلص دورها وحضورها وتأثيرها في المنطقة والعالم وبما يهدد إمدادات النفط العالمية. وما علي المملكة العربية السعودية إلا التنبه إلي هذا المخطط الذي يسير بخطي بطيئة ولكن ثابتة بهدف زعزعة استقرار المملكة العربية السعودية والعالمين العربي والإسلامي, وبالتالي وضع اليد عليها وعلي مقدسات المسلمين وإدارتها بما لا يتناسب مع رغبة وإرادة الغالبية العظمي من المسلمين.. وإذا كان من حق كل دولة أو شعب أو جمهور أو حزب أن يعتقد بما يريد, لكن لا يحق لأحد أن يفرض علي الأمم والشعوب الأخري أن تعتقد بعقائد لا تريدها أو لا تقتنع بها.. وإذا كان النظام الإيراني وبعض حلفائه قد اختار الاعتقاد بولاية الفقيه معتقدا ومبدأ, فهذا شأنه وليس من حقه أبدا أن يحاول فرض مفاهيمه ومعتقداته علي سائر الأمة سواءاعتبر ذلك تكليفا حزبيا أو سياسيا أو تكليفا شرعيا وإلهيا.