يبدو أن مصر قد ابتليت بنخبة تعبوية لاتبحث سوي عن مصالحها الشخصية ولاتأخذ في الاعتبار مكونات الشعب المصري بكل أطيافه المختلفة بغض النظر عن انتمائها العشائري أو القبلي أو الديني. فلا يمكن القول أن الجمعية التأسيسية التي تضع الدستور الآن تمثل كل أطياف الشعب المصري نتيجة للانتخابات التشريعية التي جرت بعد ثورة25 يناير المجيدة بعد انتهاك حريته وتزوير إرادته علي مدي ستين عاما. ولايمكن وضع دستور حديث بواسطة هذه النخبة لأنها تمثل مرحلة مؤقتة ولاتمثل مرحلة دائمة وبالتالي فهذا الدستور سوف يأتي مشوها لأنه لايعبر عن الشعب المصري وتطلعاته بشكل حقيقي وواقعي. وإذا كانت هذه الأحزاب مجتمعة لاتمثل سوي أقل بكثير من50% من الشعب المصري, فكيف لهم أن يضعوا قانونا للانتخابات التشريعية بالقائمة ويستبعدوا الفردي الذي يمثل أكثر من نصف الشعب المصري, فيتم إستبعاد الغالبية العظمي من الشعب من خلال الانتخابات التشريعية بالقائمة. إن استبعاد الافراد من دخول الانتخابات التشريعية بشكل مستقل عن الأحزاب السياسية سوف يؤدي بنا إلي الدخول في نفق مظلم ينتهي بعدم شرعية الانتخابات لأنها لاتعبر بشكل حقيقي عن رأي الشعب المصري, بل ويشكك في شرعية هذا الدستور الذي يجب أن يمثل بشكل حقيقي كل الأفراد ويعبر بشكل واع عن رأي الشعب. فوجود هذا القانون المعيب في الدستور في الاعتماد علي القائمة دون الفردية سوف يؤدي إلي انقسام الشعب المصري علي نفسه, ويفتح باب جهنم من أجل انقسام البلاد من خلال هذا الفكر المنغلق علي نفسه والذي لايبحث سوي عن انتمائه بغض النظر عما يمكن أن يحدث لهذا البلد. وهذا معناه نجاح أعداء مصر في تحويل دفة المعركة من الخارج إلي الداخل وجعل أبناء مصر يأكل بعضهم البعض ويتناحرون فيما بينهم من أجل الكرسي في غياب العقل والحكمة وعدم تغليب مصلحة الشعب علي المصالح الشخصية والانتماءات الحزبية ويبدو أن هذا هو السبيل الوحيد أمامهم من أجل تفسخ هذا البلد العظيم, الذي لم يعرف حتي الآن أبناؤه المختلفون قيمته فيتم توجيه البوصلة إلي الوجهة الصحيحة. إن الخطأ الكبير الذي وقعنا فيه بعد ثورة25 يناير هو في عدم الاتفاق علي آلية معينة لإنقاذ البلاد بعد أن تم هدم مؤسساتها وتدمير أخلاق أبنائها في وجود النظام ومعارضيه علي حد سواء, لانه لايمكن إصلاح البلاد إلي علي يد المستقلين في هذه المرحلة وليس علي يد أتباع النظام البائد أو علي يد معارضيه لأنهم جميعا شربوا من كأس التزوير لحد الارتواء, فكيف يمكن إصلاح البلاد علي يد أباطرة الفساد ومعاونيهم الذين خربوا البلاد وانهكوا العباد! وها نحن الآن أمام لحظة فارقة في تاريخ مصر الحديثة يتم فيها تقنين التزوير في الانتخابات البرلمانية قبل بدايتها من خلال إجرائها بالقائمة بعد استبعاد وجود الفرد المستقل من خلال دستور مشوه سوف يدخل البلاد في اتون صراعات لن تنتهي لا قدر الله إلا بتفسخ البلاد وتحويلها إلي كنتونات لضيق افق القائمين علي وضع الدستور. ومن هنا نجد أن وضع الدستور بهذا الشكل المشوه سوف يكون المفتاح والأداة في أيدي بقية الشعب الذين حرموا من الترشح علي المستوي الفردي في الطعن بعدم شرعية هذا الدستور الذي هو في الحقيقة عقد بين الحاكم والمحكوم, وحتي الاستفتاء عليه نتيجته معلومة سلفا. إننا في مرحلة حرجة من تاريخنا فنحن لسنا في حاجة إلي وضع دستور جديد يؤدي إلي الفرقة والاختلاف من أجل وضع هذه المادة أو تلك, ولكن كان الأجدر بالعقلاء الدعوة إلي تنقية دستور1971 من العيوب والنقائص التي تخص ديكتاتورية الحاكم بواسطة سبعة من فقهاء القانون الدستوري المستقلين وغير المحسوبين علي النظام السابق ومعارضيه, وليس لهم انتماءات والمؤمنين بثورة25 يناير والمعروف عنهم الكفاءة ونظافة اليد. أستاذ بكلية الطب رابط دائم :