النهاية الدراماتيكية والإخراج المسرحي للمشهد الأخير في أزمة النائب العام مع الرئاسة بالإبقاء عليه في منصبه يكشف حجم الأزمة التي تمر بها البلاد ويعكسان خللا واضحا وارتباكا لا يمكن تجاهله في صناعة القرار وإدارة شئون البلاد. بل ويؤكد إن فرق المستشارين حول الرئيس دون المستوي ويتحملون مسئولية كبري فيما يحدث من تخبط وارتباك في التعامل مع قضايا العمل الوطني فقد أعاد قرار إبعاد النائب العام عن منصبه ثم التراجع عنه إلي الأذهان ماحدث في قرار إعادة البرلمان المنحل رغم وجود حكم بات بالحل, وهو ما يثير العديد من الأسئلة ويطرح الكثير من التساؤلات حول ملابسات اتخاذ مثل هذه القرارات في الوقت الذي تبحث فيه البلاد عن الاستقرار وإرساء دولة المؤسسات وإذا كان البعض يدفع باتجاه اتخاذ قرارات ثورية بعيدا عن القانون فإن هؤلاء لا يريدون خيرا بهذا البلد لأننا منذ اللحظة الأولي للثورة اتخذنا طريق الشريعة القانونية التي تؤسس لدولة القانون. ومن المؤكد أن المشاهد العبثية التي مرت بها البلاد خلال اليومين الماضيين ابتداء من طرح مسودة الدستور للنقاش قبل التوافق علي المواد الخلافية مرورا بأحداث الاعتداء علي المتظاهرين في التحرير وأزمة النائب العام وضعت العملية الديمقراطية الوليدة برمتها علي المحك وفتحت الأبواب أمام سيناريوهات مخيفة واحتمالات مفزعة تهدد بانتكاسة للحرية بل قد تعصف بكل شيء إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم المخاطر المحدقة بالاقتصاد الوطني. إن الظرف الراهن يتطلب من الجميع تحمل مسئولياته وإعلاء مصلحة الوطن فوق الاعتبارات الحزبية والشخصية ووضع الخلافات الأيديولوجية والصراعات السياسية جانبا فمصر لم تعد تحتمل هذا العبث والشعب الذي ثار ضد الاستبداد لن يسمح بالتلاعب بمقدراته ومستقبله أو أن يداس مرة أخري تحت أقدام القهر والطغيان, وربما يكون من المناسب اليوم قبل الغد الدعوة إلي حوار وطني جاد يعيد ترتيب أولويات العمل الوطني بعيدا عن نظريات المغالبة والاستعلاء وسياسات الإقصاء والاستبعاد, فمصر أكبر من أن يحكمها حزب أو فصيل بعينه فهي بلد كل المصريين, نريده حوارا وطنيا يحقق المصالحة الوطنية ويفتح أبوب المشاركة أمام الجميع في بناء الوطن ويجمع كل أهل الخبرة وهم كثر للخروج برؤية واضحة تحدد خارطة طريق لمستقبل بلد يتوق إلي النهضة الحقيقية ويتطلع إلي بناء دولة المؤسسات والقانون, وإما فإن مشاهد الدماء التي سالت في الميدان ستتحول إلي أنهار في الشوارع وسيخسر الجميع الحاضر والمستقبل. [email protected] رابط دائم :