أكد السفير د. السيد أمين شلبي الأمين التنفيذي للمجلس المصري للشئون الخارجية ان السياسة الخارجية في عهد الرئيس محمد مرسي استطاعت أن تحقق التوازن والاستقلالية علي الصعيدين الاقليمي والدولي. مؤكدا أن مسألة استئصال الارهاب من سيناء مهمة مصرية خالصة, وحول ملامح السياسة الخارجية في عهد الرئيس محمد مرسي وكيفية التعامل مع الملفات الإقليمية والدولية المتلاحقة كان هذا الحوار. * ما هي أبرز ملامح السياسة الخارجية منذ تولي الرئيس محمد مرسي وحتي الان؟ ** علي مدي العقد الماضي وقبل ثورة25 يناير, ساد الاعتقاد بين المحللين والباحثين, بل وحتي الرأي العام, أن دور مصر ومكانتها الإقليمية يتراجع, وأن هذا أساسا كان بسبب ما سمي بالتبعية المصرية للولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة, وكذلك بسبب التسامح مع السلوك الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين وتجاه المنطقة في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك, لذلك لم يكن غريبا بعد الثورة أن ترتفع التوقعات والدعوة إلي أن تستعيد مصر مكانتها الإقليمية وتؤكد استقلالية قرارها في قضايا السياسة الخارجية. وقد حاول الدكتور نبيل العربي, خلال توليه وزارة الخارجية, أن يستجيب لهذه التوقعات وصدرت عنه توجهات جديدة تجاه القضية الفلسطينية والعلاقة مع إيران, غير أن المجلس العسكري الحاكم آنذاك تعامل مع قضايا السياسة الخارجية والإقليمية بشئ من الحذر بإعتبار ضغوط القضايا الداخلية التي كانت لا تسمح بتحركات أو مبادرات جريئة في السياسة الخارجية. أما بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي فقد ظهرت من جديد قضايا السياسة الخارجية وبدأ الرئيس في تحركات جديدة, إقليميا ودوليا, ونتصور أن هدفها كان أساسا السعي لإطار متوازن في علاقات مصر الخارجية, وتأكيد علي استقلالية القرار المصري والقيام بمبادرات تجاه القضايا الإقليمية, كما حدث تجاه البرنامج النووي الإيراني, كما اتسمت اللهجة المصرية بالجرأة والمواقف الذاتية مثلما حدث في إدانة النظام القمعي السوري ومطالبته بالرحيل. * هل ستتغير العلاقة مع العالم الغربي بعد نشر الرسوم المسيئة للرسول والفيلم المسئ, وتصريحات أوباما بأنه حان الوقت لعزل من يكرهون أمريكا وإسرائيل؟ ** من الحقائق التي تطورت في الحقبة الأخيرة, أن ثمة توترا في علاقات الغرب مع العالم الإسلامي, وحقيقة أن هناك أصولا تاريخية لهذا التوتر مثل الحروب الصليبية والعهد الاستعماري الغربي في العالم الإسلامي وإيجاد دولة إسرائيل. غير أن هذه الحقائق التاريخية لم تمنع من العمل علي تجاوزها وإتجهت البلدان العربية والإسلامية إلي بناء علاقات إيجابية وتعاون مع الغرب, وقد جاءت أحداث سبتمبر في الولاياتالمتحدة وما تلاها من أحداث إرهابية نسبت إلي جماعات إسلامية في عدد من الدول الغربية, لكي تجدد وتثير ما أصبح يعرف ب الإسلاموفوبيا في الغرب والولاياتالمتحدة, وهي ظاهرة تحركها جماعات متطرفة تعادي الإسلام, وهو المناخ الذي ظهرت فيه, في الولاياتالمتحدة والغرب, عدد من الاحداث المسيئة للإسلام ورموزه, وهو ما حرك غضبا شعبيا من المجتمعات الإسلامية. غير أنه لحسن الحظ, فإنه في العالم الإسلامي وفي الولاياتالمتحدة والبلدان الغربية, ظهرت أصوات تدين هذا السلوك المسئ للإسلام وتدعو إلي احترام الأديان والعقائد, ونتصور أن التعامل الفعال مع ظاهرة الإسلاموفوبيا يتطلب جهودا حثيثة ومنظمة من الدول والشعوب والمجتمعات الإسلامية لتقديم نموذج حضاري للإسلام, والتعاون مع المؤسسات والشخصيات الأمريكية والأوروبية التي ترفض الإساءة للإسلام وتعمل علي بناء علاقات بناءة بين العالمين, الإسلامي والغربي. * أولم يحن الوقت لتحالف عربي لمواجهة التحديات التي فرضها صعود الاسلاميين للحكم في عدد من الدول العربية؟ * من أبرز التطورات التي جرت في المجتمعات العربية علي مدي العامين الأخيرين, هي الثورات والانتفاضات التي قامت أساسا ضد الحكم السلطوي وضد الإفتقار للعدالة الاجتماعية والكرامة, غير أن التفاعلات السياسية التي جرت في هذه المجتمعات العربية كان من أهم آثارها صعود التيار الإسلامي وتصدره للانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في هذه الدول, ومن ثم أصبحت هذه من حقائق الحياة السياسية في هذه الدول, والتي تتطلب لبناء نظم سياسية مستقرة في هذه البلدان أن تتكاتف القوي المدنية والليبرالية وتوحد صفوفها من أجل إيجاد التوازن وتفادي إنفراد فصيل واحد بالسلطة, وبناء نظام ديمقراطي يعتمد علي تداول السلطة وحكم القانون. * إسرائيل قلقة من عدم اهتمام مصر بها بعد الثورة وكأنها غير موجودة بالمنطقة هل هذه السياسة المصرية صحيحة مع ما نواجهه من تطورات خطيرة للوضع في سيناء؟ ** مثلما سبق أن أشرنا, كان نظام حكم ما قبل ثورة يناير متساهلا مع إسرائيل, سواء في العلاقات الثنائية أو في العلاقات الإقليمية, وعلي هذا لم يكن لدي إسرائيل أي شك في إلتزام النظام بإتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية, بل وذهابه إلي مد خطوط التعاون معها مثلما بدا في إتفاقية الكويز وإتفاقية تصدير الغاز المصري إليها. لذلك, لم يكن غريبا أن تشعر إسرائيل بالقلق من رحيل هذا النظام, و أن تشعر أكثر بالقلق من صدارة التيار الإسلامي المعروف بمواقفه العدائية تجاهها غير أن الإهتمام الرئيسي لإسرائيل, فضلا عن الولاياتالمتحدة, كان هو التأكد من مدي إلتزام النظام الجديد بمصر بإتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. وبشكل عام, نستطيع أن نقول أنه سواء خلال المرحلة الانتقالية أو بعد الانتخابات الرئاسية, فقد صدرت تطمينات تشير إلي إلتزام مصر باتفاقياتها الدولية, بما فيها إتفاقية السلام مع اسرائيل. غير أنه في هذا السياق, يجب أن نلاحظ الإشارات المصرية عن احترام اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ترتبط وتتوقف علي احترام إسرائيل ووفائها بالتزاماتها في المعاهدة, ويرتبط هذا بالأوضاع في سيناء حيث تبدي إسرائيل قلقا متزايدا للأحداث التي تقع علي حدودها, وأتصور أن هناك اتصالات أمنية بين مصر وإسرائيل وأن الهدف من هذه الاتصالات من الجانب المصري هي التأكيد علي حرص ومسئولية مصر في بسط سيادتها الأمنية علي سيناء, وأن حملتها نسر تستهدف تصفية البؤر والعناصر الإرهابية في سيناء, وهذه مسئولية مصرية خالصة, ويرتبط بهذا أيضا وبشكل وثيق, ما ينادي به خبراء, دبلوماسيون وأمنيون منذ سنوات بأهمية إعادة النظر في إتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية, وتحديدا في ملاحقها الأمنية وفيما يتعلق بحجم الوجود الامني المصري في المنطقة ج علي وجه التحديد, ونتصور أن هذه الدعوة قد زادت أهميتها بعد التطورات الأخيرة في سيناء وأصبحت في حاجة إلي جهود دبلوماسية هادئة مع إسرائيل والولاياتالمتحدة لتعزيز الوجود الأمني المصري في هذه المنطقة, الأمر الذي سوف يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة. * ما رأي سيادتكم في الموقف المصري من سوريا وإيران وما هي الطريقة المثلي للتعامل مع هذين الملفين؟ ** منذ البداية, أعلنت مصر وقوفها مع أماني وتطلعات الشعب السوري وانضمت مصر وأيدت قرارات جامعة الدول العربية تجاه سوريا, ومع ذلك كانت ثمة أصوات تعتبر أن مصر الثورة يجب أن تكون أكثر حزما في تأييد الثورة السورية وعدم التستر فقط خلف قرارات جامعة الدول العربية, ويمثل خطاب الرئيس محمد مرسي أمام قمة المؤتمر الإسلامي في مكة مايشبه التجاوب مع هذا التوقع,حيث أدان بعبارات مباشرة النظام القمعي في سوريا ووصفه بإفتقار الشرعية. غير أن السياسة المصرية تجاه سوريا قد تطورت إلي حد أخذ المبادرة, ففي نفس الخطاب, دعا الرئيس المصري إلي تكوين مجموعة إقليمية, تتكون من مصر والسعودية وتركيا وإيران للعمل علي إيجاد حل إقليمي للأزمة السورية, بعيدا عن التدخل الأجنبي, مما يجب ذكره أن مصر تعارض التدخل العسكري في سوريا لتداعياته السلبية علي سوريا وإقليميا. أما بالنسبة لإيران, فبغض النظر عن العلاقات الثنائية معها والتي كانت غير إيجابية خلال النظام السابق فإن الموقف المصري من البرنامج النووي الإيراني كان هو الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية, ولكنها ليست مع إمتلاك إيران للسلاح النووي, لأن هذا يعني سباقا للتسلح في المنطقة, وأن إستراتيجية مصر لمنع هذا السباق هو جعل منطقة, الشرق الأوسط منطقة خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل, وأتصور أن هذه الخطوط مازالت هي خطوط السياسة المصرية بعد الثورة تجاه الملف النووي الإيراني, أما العلاقات الثنائية بين البلدين, فرغم أنه ليس من المتوقع حدوث اختراق عاجل فيها, إلا أن الدلائل تشير الي إمكانية استعادة مصر لعلاقاتها الكاملة مع إيران,وهو ما نعتقد أنه ليس فقط في مصلحة البلدين, بل في مصلحة الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط. * كيف تري سيادتكم خريطة التحالفات الاقليمية بعد تولي الرئيس مرسي؟ وماذا تتوقع ان تكون عليه في المستقبل؟ .. لاشك أن الثورات العربية وتغير نظم الحكم في بلدانها سيكون له انعكاساته علي النظام الإقليمي العربي والتحالفات في المنطقة. وأتصور أن أبرز ملامح النظام الإقليمي الجديد هو علاقات إيجابية بين كل من مصر وتركيا, ودور فعال للبلدين في التعامل مع قضايا المنطقة, غير أن ملامح النظام الإقليمي لن تتضح إلا بعد استقرار الأوضاع الداخلية في دول الثورات العربية وتبلور طبيعة النظم التي ستتولي الحكم فيها. كيف تحلل سيادتكم زيارة الرئيس مرسي إلي الصين قبل الدول الغربية وهل هناك قرار مصري لاعطاء أولوية للدول الأسيوية في السياسة الخارجية؟ مع صعود دول القارة الآسيوية وفي صدارتها الصين, كان الخبراء والباحثون المصريون يدعون الي ما أصبح يعرف ب التوجه شرقا بمعني أن ما حققته هذه الدول وخاصة الصين, من تقدم غير مسبوق يتطلب حرص مصر علي بناء علاقات ثنائية نشطة معها, لتستفيد من احتياجاتها للاستثمارات الأجنبية والتجارة, والتكنولوجيا المتقدمة. في هذا السياق, نستطيع أن نري زيارة الرئيس محمد مرسي للصين ونستطيع أن نتفهم التأكيد علي أن هذه الزيارات ليست علي حساب علاقات أخري, وإنما هي أساسا لتحقيق التوازن في علاقات مصر الخارجية والدولية, وهو نفس ماينطبق علي العلاقة مع دول الاتحاد الاوروبي, وماتفسره زيارة الرئيس مرسي الأخيرة لهذه الدول, لتنشيط العلاقات الاقتصادية والتجارية بينها وبين مصر. ومع مانعتقده من استجابات مشجعة من هذه الدول, وخاصة الصين للتعاون مع مصر, يبقي أن جانبا كبيرا من تحقيق هذا التعاون يعتمد علي الوزارات والأجهزة والمؤسسات المصرية لكي تتابع ما تم الاتفاق عليه وأكثر من هذا إزالة العقبات والمعوقات البيروقراطية التي تعترض المشاريع التي تم الإتفاق عليها.