الانتهازية سمة اساسية للسياسة الإسرائيلية داخلية او خارجية علي السواء وقوائم الادلة علي ذلك لا تكاد تنتهي. ولكن انتهازية إسرائيل في مجال السياسة الخارجية تبدو اكثر وضوحا ابتداء من علاقاتها مع الولاياتالمتحدة – حليفها الاستراتيجي الاول والاكبر ومصدر قوتها العسكرية وحياتها الاقتصادية – ويبدو ان انتهازية إسرائيل في علاقاتها مع مصر تبدو اكثر بروزا في الفترة الحالية التي تتسم بصعوبة التحولات الثورية. ولقد كانت علاقات إسرائيل مع نظام الرئيس المخلوع مبارك ادل علي انتهازية السياسة الخارجية الإسرائيلية من اي ملمح سياسي آخر. وعلي مدي ثلاثين عاما من حكم مبارك المستمر استطاعت سياسة الانتهازية الإسرائيلية ان تورط نظام مبارك في علاقات استراتيجية واقتصادية وتجارية الي حد جعل المسئولين الإسرائيليين يصفون نظام مبارك بانه كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل. وبطبيعة الحال فان إسرائيل لم تصرح بذلك الا بعد ان تخلي مبارك عن السلطة مرغما في 11 فبراير 2011. ولعل اخطر مظاهر الانتهازية الإسرائيلية في سياستها مع النظام المصري السابق تمثلت اكثر ما تمثلت في استخدام هذا النظام جسر عبور لعلاقات سرية مع عدد من الدول العربية الخليجية بالذات. ومن خلال هذه العلاقات ضمنت إسرائيل سلاما ضمنيا مع هذه المنطقة العربية التي تقع بالكامل تحت السيطرة العسكرية والاقتصادية الأمريكية. بالمقابل لم تستطع سلطة مبارك ان تنال من إسرائيل اي مزايا استراتيجية او اقتصادية او حتي دبلوماسية كمقابل لكل المكاسب التي جنتها إسرائيل منذ توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” مع مصر في عهد انور السادات. لم تستطع مصر ان تحصل من إسرائيل بالمقابل علي اي ضمانات لا فيما يتعلق بسيناء المصرية ولا فيما يتعلق باي مناطق عربية ابتداء من الجنوب اللبناني الي مرتفعات الجولان السورية الي الضفة الغربية الفلسطينية او غزة. ظلت إسرائيل ولا تزال تسمح لنفسها باجتياح هذه الاراضي العربية بينما تقف مصر مبارك في عزلة وكان لا دخل لها بالامر ولا مسئولية عليها تجاه اهداف في الوطن العربي. ارتهان سيناء ويرجع هذا اساسا الي ان إسرائيل استطاعت ان تجعل من سيناء المصرية رهينة يمكن اجتياحها في اي وقت اذا فكرت مصر في انتهاج سياسة عربية تقف في وجه اعتداءات إسرائيل المتكررة. هكذا تكون حول إسرائيل نطاق عربي لا تربطه بإسرائيل معاهدات سلام علي غرار “كامب ديفيد” انما دون معاهدات موقعة. سلام ضمني تضمنه علاقات الدول العربية بالولاياتالمتحدة وتضمنه سياسة نظام مبارك المستسلمة للانتهازية الإسرائيلية. ومن هنا نستطيع ان نفهم توقيت ظهور تعليق من “معهد واشنطن لسياسات الشرق الادني” تحت عنوان “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون مهددون في سيناء” يوم 4/6/2012 كتبه ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في المعهد الذي يعد اهم مؤسسة للوبي الصهيوني في شئون السياسة الخارجية. يقول شينكر في هذا التعليق “ان تغير الوضع الراهن في مصر والتهديدات الامنية المتزايدة في سيناء قد زادت من تعقيد مهمة القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين بشكل كبير وهو ما يمكن ان يترتب عليه في النهاية ضعف الالتزام الدولي تجاه قوة حفظ السلام”. الإخوان يتعهدون اليوم تشعر إسرائيل بان ثورة 25 يناير2011 يمكن ان تغير هذه الموازين وان تخلق لمصر سياسة خارجية عربية بالدرجة الاولي. وقد اظهرت تصريحات القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين قلقا من احتمالات التغيير التي يمكن ان تطرأ علي السياسة الخارجية المصرية. وتحركت إسرائيل باتجاه الولاياتالمتحدة لتحصل لها علي تطمينات من القوي المرشحة للهيمنة علي السلطة في مصر عندما تنتهي الفترة الانتقالية. وبالفعل حصلت الولاياتالمتحدة علي الضمانات والتطمينات اللازمة من جماعة الاخوان المسلمين وحزبها السياسي “الحرية والعدالة” بأنه لا نية علي الاطلاق لتغيير سياسة مصر اذا تولي الاخوان المسلمون السلطة، بل لا نية لالغاء معاهدة كامب ديفيد، وان اقصي ما يمكن الذهاب اليه بصدد هذه المعاهدة هو طلب اعادة النظر فيها بعد مضي اكثر من ثلاثة وثلاثين عاما علي توقيعها. وهو طلب لا يبدو ان إسرائيل يمكن ان تعارضه لانها تسعي للحصول علي مزيد من المكاسب من وراء اعادة النظر في المعاهدة. مع ذلك فان إسرائيل تنتهج سياسة تنتهز فرصة الظروف الخاصة التي تمر بها مصر. وتقوم هذه السياسة علي التظاهر بالقلق من احتمالات التعرض للخطر من جانب مصر. إسرائيل تتأهب قبل ايام قليلة ادلي بنيامين اليعازر عضو البرلمان الإسرائيلي – والعسكري البارز السابق – بتصريح علي درجة عالية من الخطورة قال فيه “انني ادرك اننا سائرون الي مواجهة مع مصر. وقد اصبح من المهم ان نعتذر للاتراك عن قتل مواطنيهم ( في الهجوم الإسرائيلي علي السفينة التركية المدنية التي كانت تحاول كسر الحصار علي غزة ) وانا شخصيا مستعد للذهاب اليهم وتقديم الاعتذار.”(6/6/2012) ويعني هذا التصريح ان إسرائيل لا تريد ان تجد تركيا تقف ضدها في حالة وقوع صدام عسكري بين إسرائيل ومصر. في اليوم نفسه قال افيجدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل ان إسرائيل تشعر بقلق شديد مما يحدث في سيناء، خاصة فيما يتعلق بتهريب الاسلحة من ليبيا. واضاف ان السلطات المصرية تحول دعمها من حركة فتح الي حماس بشكل واضح. ولم يقدم ليبرمان اي دليل من اي نوع علي ما قال. واما اشارته الي ما يحدث في سيناء ويثير قلق إسرائيل فيتعلق بالدرجة الاولي بعملية تهريب الاسلحة. وعدا ذلك فان إسرائيل تبدو مهمومة بالوضع الاقليمي من زاوية او زوايا مصالحها الخاصة بغض النظر تماما عن مصالح الاطراف الاقليمية الاخري. إسرائيل تريد ان تنتهي الازمة الراهنة التي تمر بها سوريا الي التخلص من النظام السوري الذي يراسه بشار الاسد لصالح القوي المعارضة التي تتمثل في الاخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات الاسلامية السلفية التي نالت ولا تزال تأييد ودعم الولاياتالمتحدة. وتؤيد إسرائيل فيما يتعلق بالازمة السورية حلا علي الطريقة التي تمت في ليبيا، اي تدخلا مباشرا من الولاياتالمتحدة ودول اوروبا الكبيرة وخاصة فرنسا وبريطانيا وهولندا من خلال قوات حلف الاطلسي. ولا حاجة بنا عند هذا الحد الي تأكيد ما لإسرائيل من نفوذ وقوة ضاغطة علي الادارة الأمريكية وعلي مجلسي الكونجرس النواب والشيوخ. ولابد من الاشارة هنا الي ان موسم حملة انتخابات الرئاسة الأمريكية هو نفسه موسم تصاعد النفوذ الإسرائيلي خلف اقنعة اللوبي الصهيوني في أمريكا الي نقطة الذروة. إيران النووية وبالاضافة الي الازمة السورية تهتم إسرائيل بشكل اساسي بما تعتبره الخطر الايراني. وقد تصاعدت في الآونة الاخيرة حملة أمريكية – إسرائيلية هدفها شن هجمات عسكرية علي المنشآت النووية الايرانية. وقد نتصور هنا اننا ابتعدنا عن الجانب المصري من المعضلة الإسرائيلية الراهنة. وليس هذا صحيحا. فان إسرائيل تبدي قلقا ينعكس ايضا في تصريحات رئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو من اهتمام ايران حكومة وبرلمانا ورأيا عاما واهتمام مصر في الوقت نفسه باعادة العلاقات المصرية – الايرانية الي مستواها الطبيعي دبلوماسيا واقتصاديا وثقافيا. وتتابع إسرائيل باهتمام بالغ تصريحات المسئولين المصريين عن اهمية العلاقات مع ايران وظهور هذه العلاقات في تصريحات مرشحي الرئاسة المصريين اثناء فترة حملاتهم الانتخابية لتعكس اهتماما حقيقيا بامر هذه العلاقات. اما اهتمام إسرائيل بهذا الشان فلا يخفي فيه قلق إسرائيل من تلاحم قوتين اقليميتين في مواجهتها بعد ان سادت في عهدي السادات ومبارك علي التوالي سياسة فصلت بين القوتين الاقليميتين المناهضتين لإسرائيل في الشرق الاوسط. وبطبيعة الحال فان إسرائيل راضية تماما عن سياسة العداء لايران التي تنتهجها ممالك الخليج واماراته بتوجيه اكيد من الولاياتالمتحدة. فلا تكاد تختلف سياسة السعودية وقطر والامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين تجاه الازمة السورية ورغبتها جميعا في التخلص من نظام الاسد عن سياسة هذه الدول الخليجية التي ترحب كثيرا بخطط مهاجمة ايران عسكريا لتدمير قدرتها النووية من جانب الولاياتالمتحدة وإسرائيل لتبقي إسرائيل في وضع احتكار القوة النووية في الشرق الاوسط كله (…) الا يكفي هذا، بل كل جزء منه، للتحذير من خطر إسرائيل علي سيناء وبالتالي علي مصر باكملها في الظروف الراهنة؟