رغم تداول المشكلة اكثر من مرة وعرض مدي خطورتها من الجانب الصحي حيث تدمير الموارد البشرية والجانب البيئي والاقتصادي ومع معرفة مسببات تلك الازمة وجذورها علاوة علي طرح العديد من الحلول والافكار إلا ان احدا لم يلتفت إلي مشكلة عوادم السيارات والتي تعد سموما منتشرة في الهواء تكاد تقضي علي الموارد البشرية. في جولة للاهرام المسائي تم رصد آراء المواطنين في الشارع حيث يقضون معظم اوقاتهم ما بين ازدحام المواصلات وتلوث الهواء كما ابدي بعض المتخصصين في الصحة ووزارة البيئة استياءهم من تلك الظاهرة موضحين اثرها الخطير ليس علي صحة الانسان فحسب بل علي كل عناصر البيئة. في البداية يؤكد جمال محمود صاحب متجر في ميدان رمسيس ان هذه العوادم تعرض صحته للخطر خاصة انه يعاني مشاكل بالجهاز التنفسي متمنيا فرض غرامات علي سائقي السيارات التي تخرج عوادم ومحاسبة كل من يستهين بصحة المواطنين. وقال يسري محمود مدرس: عوادم السيارات تسبب ازمة في البلد وتؤثر علي الاطفال وكبار السن واهم اسبابها عدم وجود رقابة فعلية وعدم فرض غرامات مالية لوضع حزام الامان وهو الامر الذي ادي إلي التزام الجميع بوضعه فيما بعد. وقالت رانيا محمود طالبة جامعية: مع غياب النظام المروري وزيادة تكدس السيارات تضاعفت نسبة التلوث بعوادم السيارات حتي أصبحت بالكاد لا استطيع التنفس اثناء وجودي داخل الجامعة نتيجة لوصول هذه العوادم إلي داخل الجامعة. الصحة تناشد اوضح احمد المنصوري دكتور امراض جلدية بجامعة عين شمس ان الامراض المتعلقة بالجهاز التنفسي عديدة ومختلفة من حيث الاسباب والمضاعفات ولكنها في معظمها تكون نتيجة التلوث بأنواعه المختلفة وعلي رأسها في مصر عوادم السيارات وانبعاثات بعض المصانع مثل الاسمنت والكيماويات وجميع صناعات البلاستيك وكذلك التدخين. ويقول ان: هذه الانبعاثات تسبب امراضا مزمنة تتطلب من المريض الاستمرار في اخذ علاج طوال عمره ومنها امراض الربو والسدة الرئوية والتهابات الجهاز التنفسي وهو الامر الذي يحد من كفاءة العامل ويجعله عبئا اقتصاديا علي الدولة. كما ان سكان المناطق الصناعية هم الاكثر عرضة للاصابة بأمراض الصدر خاصة في مدينة المحلة الكبري والتي دائما ما تغطي سماءها سحب كثيفة من الملوثات نتيجة انبعاثات المصانع دون ادني معالجة بيئية غير عابئين بصحة المواطن المصري. واشار الدكتور احمد المنصوري إلي ان من يتعرض لعوادم السيارات بشكل مكثف أو في مناطق الازدحام المروري والاشارات قد يصاب باختناق حاد ومع تكرار التعرض لهذا الدخان الكثيف فمن الممكن ان يؤدي ذلك إلي التسمم بأول اكسيد الكربون وهو المكون الاساسي للبنزين مع مركبات الرصاص الموجودة في عوادم السيارات والذي يترسب تدريجيا داخل الرئة مما يودي بحياة الانسان في كثير من الاحيان مؤكدا ان مصر لم يجر بها اي احصائيات من هذا النوع إلا ان هناك بعض الارقام التي تم اعلانها بصورة منفصلة حول الامراض التي يسببها التلوث للمصريين ومنها عوادم السيارات. مصر تنفرد وناشد المنصوري المسئولين وعلي رأسهم وزارتا النقل والداخلية بوضع حل لهذه الظاهرة التي تنفرد بها مصر دون سائر بلاد العالم بما فيها الدول النامية مشددا علي ضرورة تنفيذ اللوائح والقوانين فيما يتعلق بمنع أي سيارة ينبعث منها هذا العادم من السير مع عدم منحها ترخيص من الأساس والتوجه نحو تشغيل السيارات بالغاز الطبيعي وهو الأمر المتعارف عليه في معظم الدول المتقدمة منذ عشرات السنين. كما أشار الدكتور محمود عبد المجيد مدير عام مستشفي الصدر بالعباسية إلي أن التلوث وخاصة عادم السيارات يسبب كثيرا من الأمراض علي رأسها أمراض الصدر وقد أثبتت الأبحاث والدراسات التي تمت علي مستوي العالم ومن خلال منظمة الصحة العالمية أن عادم السيارات المسئول الأول عما يسمي بالسدة الرئوية والتي تم تصنيفها منذ عدة سنوات بأنها السبب السادس في احداث الوفيات بين مرضي الصدر والجهاز التنفسي وقد تم تصعيدها اخيرا لتصبح السبب الرابع المسبب للوفاة ولذلك انتبهت الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية منذ عدة سنوات لتلك الظاهرة فقامت بنقل جميع الصناعات الملوثة إلي البلدان النامية للحفاظ علي نظافة البيئة وصحة المواطنين بالاضافة إلي أن تلك الدول لا تسمح مطلقا بوجود سيارات تخرج عوادم. وأشار إلي اننا في مصر نفتقد الاحصائيات الخاصة بالأمراض ولذلك فإننا نتخبط فيما يتعلق بتحديد الخطط الخاصة بالميزانيات المخصصة للعلاج في مصر ولذا نطالب بضرورة القيام بحملة قومية لمنع مصادر التلوث التي تؤدي إلي اصابة المواطنين بالأمراض المزمنة وتحويلهم لقوة مستهلكة تمثل عبئا كبيرا علي كاهل الدخل القومي, وعلي الجهات المعنية مثل وزارة الصحة وجهاز التعبئة العامة والإحصاء عمل احصائيات سنوية عن نوعية الأمراض ومسبباتها لوضع الخطط اللازمة لمواجهتها والوقاية منها وتحديد أفضل الأساليب لعلاجها. أثار مدمرة! ويري دكتور محمد زينهم دكتور دراسات وعلوم بيئية بكلية الفنون التطبيقية وعضو جمعية الأثريين العرب ان مصر تتكبد خسائر سنوية بما لا يقل عن13 مليار جنيه بسبب هذه الظاهرة وما هي إلا تكلفة ظاهرية لأن هناك تكلفة اخري غير مباشرة عن طريق التأثير السلبي علي العمارات والمباني من خلال المكونات التي يشتمل عليها عادم السيارات والتي يمكن أن تؤدي إلي انهيار المباني والتأثير علي المظهر الجمالي لها من خلال تآكلها كما تؤثر أيضا علي ظاهرة عوادم السيارات علي المناطق الأثرية لاحتوائها علي حامض الكبريتيك الذي يتفاعل مع هذه الاثار ويؤدي إلي تآكلها ومثال علي ذلك ميدان التحرير وموقف عبد المنعم رياض المجاور للمتحف المصري فالعوادم الصادرة من وسائل النقل تأثر سلبا علي تاريخ وحضارة هذه الأماكن والتي يتوافد إليها الآلاف من السائحين والتي تمثل أحد مصادر الدخل القومي لمصر. وقال إن50% من السيارات التي تسير في شوارعنا الان تستخدم نوعيات رديئة من البنزين تحتوي علي نسبة عالية من الكربون وهي نوعيات ممنوع استخدامها علي المستوي الدولي وخاصة أن تكلفة تحويل هذا العادم الناتج عنها يمثل تكلفة كبيرة علي الدولة لأن العادم الناتج عن البنزين يتحد مع الطبقة المائية الموجودة في الهواء الجوي ويؤدي إلي تساقط أمطار حامضية تقضي علي النباتات والزروع وتؤدي إلي تدمير طبقات التربة الصالحة للزراعة وفساد المحاصيل الزراعية ونتيجة لذلك تخسر مصر مصدرا مهما من المصادر التي تعتمد عليها في الوفاء بمتطلبات المجتمع من المحاصيل الزراعية واللجوء إلي استيرادها مما يمثل تكلفة إضافية وعبئا علي الدولة. وأوضح ان تأثير هذه العوادم يمتد إلي مترو الأنفاق فمن خلال سقوط الأمطار الحامضية وتسربها إليه بشكل مباشر أو غير مباشر تؤدي إلي فساد البنية التحتية للمترو وبالتالي توقفه عن العمل مما يؤدي إلي تعطيل الكثير من المصالح المتعلقة به. أعذار واهية ومن جانبه أكد العقيد سيد عثمان مدير العلاقات العامة بمرور القاهرة انه يتم فحص السيارة جيدا والتأكد من مطابقتها للمواصفات قبل السماح بترخيصها من خلال جهاز فحص البيئة وحال اثبات زيادة نسبة العوادم عن المسموح به لا يسمح بالترخيص. وأوضح أن المشكلة الاساسية تكمن بعد مرحلة الفحص فمع كثرة الاستخدام يصبح الموتور متهالكا مما يسبب احتراق البنزين بداخله والذي يخرج في صورة عوادم سامة بينما في كثير من الاحيان يتم ضبط هذه السيارات وسحب رخص سائقيها إثر حملات المرور التي تقوم بها إدارات المرور من حين لآخر قائلا: وبالتأكيد لا يمكن أن تتم عملية الضبط بنسبة100%. وناشد عثمان مدير العلاقات العامة بمرور القاهرة المواطنين الشرفاء وسائقي هذه السيارات المتهالكة بالتوجه إلي ورش السيارات واصلاحها موضحا انه لابد أن يكون لدي الأشخاص وازع للحفاظ علي بيئتهم وصحتهم. من جانبه قال اللواء أحمد حوالة مدير إدارة مرور الجيزة ان القاهرة الكبري تحوي أكثر من مليون ونصف المليون سيارة وهو عدد ليس بالهين ولا يمكن مراقبة هذا الكم الهائل من السيارات بالاضافة إلي وجود العديد من الموديلات القديمة والتي ليس لها شرط عمر لوقف ترخيصها بعد20 سنة مؤكدا ان هناك تنسيقا بين ادارات المرور المختلفة ووزارة البيئة في الفترة الحالية في اطار التوسع في محطات الفحص الفني علي ألا تقتصر داخل إدارات المرور فقط بل وخارجها أيضا وذلك في ضوء البحث عن حلول لتلك الأزمة.