تمتاز حياة الإنسان المسلم بأنها زاخرة بالأعمال الصالحة التي لا تكاد تنقطع من أداء نوع من أنواع العبادة التي تمثل له منهج حياة شاملا متكاملا, الله سبحانه وتعالي تفرد بالخلق والاختيار, قال تعالي: (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالي عما يشركون), القصص68, فمن فضل الله تعالي علي عباده ورحمته أن جعل لهم مواسم للطاعات تتضاعف فيها الحسنات, وترفع فيها الدرجات, ويغفر فيها كثير من المعاصي والسيئات, فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات ومنها الأيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة, والتي يعد العمل فيها أفضل واحب إلي الله من العمل في غيرها من أيام السنة كلها, بل شهد النبي صلي الله عليه وسلم بأنها اعظم ايام الدنيا, وان العمل الصالح فيها أفضل منه في غيرها, كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما, حيث قال صلي الله عليه وسلم:( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلي الله من هذه الأيام العشرة, فقالوا: يا رسول الله, ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله, إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) رواه الترمذي, وأصله في البخاري, وفي حديث ابن عمر:( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب اليه من العمل فيهن من هذه العشر, فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) رواه أحمد, وقد حظيت عشر ذي الحجة بهذه المكانة والمنزلة لاجتماع أمهات العبادة فيها وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج, ولا يتأتي ذلك في غيرها. يقول الدكتور محمد اسماعيل بحيري امام وخطيب بوزارة الأوقاف, إن فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة قد جاء صريحا في القرآن الكريم الذي سماها بالأيام المعلومات لعظيم فضلها وشريف منزلتها, وايضا في السنة النبوية, قال تعالي:( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق* ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات), سورة الحج:27 28, كما جاء قول الحق تبارك وتعالي:( والفجروليال عشر)( سورة الفجر:1 2) وقد أورد الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية قوله: وليال عشر, هي ليالي عشر ذي الحجة, لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه, وأكد ذلك ابن كثير في تفسيره لهذه الآية بقوله: والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف, وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: أفضل أيام الدنيا أيام العشر يعني عشر ذي الحجة قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال ولا مثلهن في سبيل الله إلا من عفر وجه في التراب, وايضا عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: إن العشر عشر الأضحي, والوتر يوم عرفة, والشفع يوم النحر, وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: ما من عمل أزكي عند الله ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحي قيل:ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشئ قال وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا حتي ما يكاد يقدر عليه, فالمفهوم أن للعشر من ذي الحجة خصائص منها أولا: ان الله سبحانه وتعالي اقسم بها في كتابه الكريم فقال عز وجل:( والفجر* وليال عشر), سورة الفجر: الآيتان1 2) ولا شك أن قسم الله تعالي بها ينبئ عن شرفها وفضلها, ثانيا: ان الاعمال الصالحة في هذه الأيام احب إلي الله تعالي منها في غيرها, فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:ما من أيام أعظم عند الله, ولا أحب اليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد, ثالثا: أن فيها( يوم عرفة), وهو يوم عظيم يعد من مفاخر الإسلام, وله فضائل عظيمة, لأنه يوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها, ويوم العتق من النار, ويوم المباهاة فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: ما من يوم أكثر من أن يعتق الله عز وجل فيه عبدا من النار, من يوم عرفة, وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة, فيقول: ما أراد هؤلاء... الخ, رابعا: ان فيها( يوم النحر) وهو يوم العاشر من ذي الحجة, الذي يعد أعظم أيام الدنيا كما روي عن عبدالله بن قرط عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال: إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالي يوم النحر, ثم يوم القر خامسا: أنها أيام يشترك في خيرها وفضلها الحجاج إلي بيت الله الحرام, والمقيمون في أوطانهم لأن فضلها غير مرتبط بمكان معين إلا للحاج, مما لا شك فيه أن عبادة الله تعالي والتقرب اليه بالطاعات القولية أو الفعلية من الأمور الواجبة والمطلوبة من الإنسان المسلم في كل وقت وحين, إلا أنها تتأكد في بعض الأوقات والمناسبات التي منها هذه الأيام العشرة من شهر ذي الحجة, فيجب الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالي ودعائه وتلاوة القرآن الكريم لقوله تبارك وتعالي:( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات), سورة الحج: الآية28, التوبة والإنابة إلي الله تعالي إن مما يشرع في هذه الأيام المباركة أن يسارع الإنسان إلي التوبة الصادقة وطلب المغفرة من الله تعالي, وأن يقلع عن الذنوب والمعاصي والآثام, ويتوب إلي الله تعالي منها طمعا فيما عند الله سبحانه وتحقيقا لقوله تعالي:( وتوبوا إلي الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون), سورة النور: الآية31, ولأن التوبة الصادقة تعمل علي تكفير السيئات ودخول الجنة بإذن الله تعالي لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية: لما فيها من التقرب إلي الله تعالي وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين, والصيام لكونه من أفضل العبادات الصالحة التي علي المسلم ان يحرص عليها لعظيم أجرها وجزيل ثوابها.