عندما تولي د. محمد مصطفي وزير الصحة الحالي مهمته في وزارة د. هشام قنديل وجد لغما شديد الخطورة وهو قرار تسعير الدواء الذي أقره الوزير السابق فؤاد النووي, حتي إن الوزير الحالي قال إنه لم ينفذ القرار بعد. ولن يلغيه إلا بعد قرار اللجنة المشكلة من قبل الوزارة لدراسة أبعاد القرار ولخطورة صناعة الدواء في مصر ناقش منتدي الأهرام المسائي مع كوكبة من رؤساء شركات الأدوية وغيرهم من المسئولين, مدي خطورة القرار علي صناعة الدواء في مصر, بخلاف أمور أخري تهدد الصناعة التي مر علي إنشائها في مصر60 عاما. في البداية, أكد الدكتور صلاح شرقاوي رئيس مجلس إدارة شركة نوفارتس أن صناعة الدواء هي صناعة استراتيجية مهمة جدا إلا أن قرار تسعير الأدوية عانينا منه كثيرا وتحملنا ظلمه سنوات طويلة مما ترتبت عليه أزمات اقتصادية ومع ذلك لم نشتك أبدا إلا أننا اليوم أمام قرار فيه تضارب واضح جدا جعلنا غير قادرين علي الاستمرار في السوق, حيث فجر معاناة كبيرة لجميع العاملين في قطاع صناعة الأدوية. وقال إننا في حاجة لمناقشة سلبيات هذا القرار علي مائدة الحوار لطرح حلول جذرية لمشكلة تسعيرة الدواء خاصة أن العديد من القطاعات قد تأثر سلبا بهذا القرار.. لذا نطالب وزير الصحة بإعادة النظر في القرار إذا كان هدفهم مصلحة صناعة الدواء حتي لا تنهار فنحن حريصون علي استمرار هذه الصناعة بقوة وألا تتعرض المصانع لمشكلات وهزات اقتصادية تعصف بصناعة مصرية مهمة هي صمام للأمن القومي المصري. وتشير الدكتورة نجوي برهان رئيسة قطاع التسجيل بالشركة القابضة للأدوية مصر وممفيس والنصر إلي أن تلك الشركات هي أول الشركات تأثرا بهذا القرار رغم أنها تتبع الدولة. وأضافت أن الشركات القابضة للأدوية تنتج476 مستحضرا دوائيا تبيعها بالخسارة لأن الحكومة تجبرنا علي إنتاجها كأدوية أساسية يتم توزيعها علي قطاع المستشفيات الحكومية في التأمين الصحي, حيث بلغت خسائرنا هذا العام118 مليون جنيه بسبب قرار التسعير, بالإضافة إلي بعض المطالب الفئوية بعد الثورة, إذ حققت شركة مصر وحدها خسارة بلغت أكثر من نصف رأس المال رغم كونها أول شركة لإنتاج الدواء أسسها طلعت حرب سنة1934 وبدأت العمل عام1939. وتابعت: هل يرضي وزارة الصحة أن تصفي شركة مصر؟ وهل يرضي المصريون أن يغلقوا صرحا طبيا في إنتاج الدواء في مصر والعالم العربي؟! واستطردت قائلة: إذا كان هذا القرار سيضيع أصلا من أصول مصر الثابتة فلسنا في جاجة إليه. وأكدت برهان أن الشركات الثلاث رغم الخسائر التي تكبدتها هذا العام بسبب القرارات العشوائية لوزارة الصحة بالإضافة إلي بعض المطالب الفئوية بعد الثورة إلا أن أيا منهما لم تهمل التطوير حيث قامت شركة مصر بتحديث خطوط الإنتاج بعد الانتقال إلي مقرها الجديد بمنطقة أبو زعبل ولمكن الموقع الجديد لن يفتتح بكامل قوته حتي الآن, أما شركة النصر فانشأت خط إنتاح علي أحدث نظم الجودة العالمية ونجحت في الحصول علي الترخيص لمصنع تكلف مئات الملايين رغم أننا غير قادرين علي تخطي حاجز الخسائر. وقالت إن شركة النصر انشئت في الستينيات لإنتاج المادة الخام لشركات الأدوية في مصر. لكننا حاليا نستورد90% من المادة الخام في حين أن الهند التي نستورد منها المواد الخام حاليا لم تكن عندها مصانع لإنتاج المادة الخام عندما انشئ المصنع المصري!! ويتأسف الدكتور جمال الليثي رئيس مجلس إدارة شركة فيوتشر علي عدم وجود تقدير حقيقي لصناعة الدواء في مصر لتوفير دواء آمن وفعال للمواطن المصري.. مشيرا إلي أن الإعلام عليه دور مهم جدا في هذه الأزمة التي يمر بها الدواء. وأضاف: قبل الحديث عن تسعيرة الدواء لابد أن نعرف ماذا نعني بصناعة الدواء فلابد أولا أن نعرف أن صناعة الدواء تعني مصنعا جيدا وخامة جيدة ونظاما لإنتاج هذه الصناعة وهذا ما لايعينه المسئولون. وتابع: لاننسي أن الهدف الاسمي لصناعة الأدوية هو توفير دواء فعال وآمن لجميع المواطنين وهو مايكفل للمواطن البسيط شراءه بسعر معقول وفي الوقت نفسه يحقق هامش ربح للمصانع يغطي تكلفتها رافضا ما يقال عن أن هناك دواء فرز أول وفرز ثان في صناعة الدواء فرز أول أو فرز ثان. وشدد علي ضرورة ان يعي الجميع إننا نتعامل مع سلعة لابد أن تتمتع بجودة, وحتي يستمر المصنع في إنتاج الدواء فلابد أن يتوفر له دعم لذا أطالب الإعلام بزيارة مصانع إنتاج الدواء المصرية والعالمية علي أرض مصر لعقد مقارنات بين الإمكانات ليعرف أن المصانع المصرية لاتقل كفاءة عن الأجنبية. واردف قائلا: أنا عملت في شركة أمريكية لمدة18 سنة استطيع القول إننا لدينا في مصر مصانع أفضل من المصانع في الخارج لشركات عالمية. وأكد أن خامات الأدوية نقطة غائبة علي الكثيرين في مصر حتي الأطباء للأسف, مشيرا إلي أن جميع خامات الأدوية تأتي من مصادر موثوق فيها عالميا وقبل دخولها مصر تخضع لرقابة مشددة من وزارة الصحةحيث يجري تحليل عينة منها في معاملها لذا أؤكد أنه لايمكن طرح أي دواء في السوق قبل مراجعة وزارة الصحة عليه سيوجه إلي مستشفي أو صيدلية أو للتصدير. ويؤكد أن نظام صناعة الدواء خاصة مطابق للنظام العالمي فضلا علي صدور قوانين متطورة باستمرار خاصة أنه لدي مصر خبرة60 عاما في صناعة الدواء وهي تغطي اكثر من90% من احتياجاتنا المحلية. وحول قرار التسعير الاخير قال انه جانبه الصواب تماما وضرب علي ذلك مثالا: اذا كان هناك دواء سعره10 جنيهات فإن تكلفته الاجمالية علي باب المصنع طبقا لقائمة التكلفة التي حددتها الوزارة بنسبة52% من ثمنه يعني5 جنيهات و20 قرشا ويبلغ ربح الشركة المنتجة130 قرشا منها تعجيل دفع للموزع حوالي29 قرشا والموزع57 قرشا في حين يربح الصيدلي يبلغ جنيهين و21 قرشا فضلا علي ضريبة مبيعات قيمتها32 قرشا ودمغة طبية10 قروش وهذا لايعني أن الصيدلي ربحه عال ولكن هناك50% من الصيدليات البالغ عددها50 ألفا تعاني أزمات مالية. ** فهل الحل نأخذ ممن يربح130 قرشا وأعطيه للصيدلي ؟! الحل كما جاء في برنامج النهضة نظام تأمين صحي شامل اجتماعي. وتقول د. هالة عدلي حسين رئيسة مجلس ادارة شركة آمون: إن وزير الصحة شكل لجنة لبحث ايجابيات وسلبيات القرار إلا أن هذا لايعني أن هناك ضوابط تضيق علينا فمصانع الأدوية محظور عليها شراء أي مادة خام من أي مصدر لايحمل شهادة جودة هذه المادة. فضلا علي ان مصادر انتاج المادة الخام معدودة علميا خاصة, وأن هناك دولا محظور الاستيراد منها. وتشير إلي ان وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلي حينما وصلت إليه شكوي من مواطن حول فعالية أدوية التأمين الصحي أخذ عينة عشوائية وأرسلها إلي فرنسا بأكواد لتحليلها وجاءت النتيجة أن الادوية فعالة, وأن النتائج ايجابية. وتؤكد دكتورة نجوي برهان رئيسة قطاع التسجيل بالشركة القابضة للأدوية أننا نخشي من تسعير الدواء في مصر لانه هو المنتج الوحيد الذي تخاف الحكومة من المساس به لافتة إلي ان تقرير البنك المركزي السنوي بشأن الزيادة في كل المستهلكات الموجودة زادت بنسبة28% في حين ان الكهرباء10.21% واذا استمر هذا المعدل فسيؤدي إلي غلق المصانع خاصة وأن شركات المياه مثلا بدأت في محاسبة مصانع وشركات الادوية بأثر رجعي عن استهلاكها للمياه بالتعريفة الجديدة مما يمثل ديون اضافية علي مصانع الادوية رغم ان تلك المصانع مطالبة بزيادة رواتب العاملين والموظفين بها وفي المقابل ان هناك أدوية لم يتحرك سعرها منذ أول قرار تسعير في عام91 والذي صدر حينما كان الدولار ب341 قرشا وهذا يعني ان الشركات تحقق خسائر إلا انها تنتجه لان هناك التزاما منها تجاه المريض. وتري أن علاج المشكلة يكمن في توفير دواء بسعر مناسب لتكلفته إذا لم يحدث فلن تستمر شركات الادوية في انتاجه بل سيحل محله المستورد مما يزيد من أعباء المريض, وهو ماحدث بالفعل مع احدي الشركات التي تنتج دواء يستخدم في عمليات القلب المفتوح بسبب رفض الصحة رفع سعر الدواء من3 إلي10 جنيهات مما ترتب عليه تأخر وصول المادة الخام له واضطرار الوزارة إلي شرائه من الخارج بقيمة37 جنيها. وتؤكد علي جودة المنتج المصري رغم التعقيدات والعراقيل التي تضعها الوزارة علي استيراد المواد الخام للادوية لصالح المستوردين أو مصانع الادوية وهو ما يطمئن المريض المصري علي سلامته. ويشير الدكتور جمال الليثي الي ان مصر تمتلك صناعة كاملة, مضيفا ان صناعة الدواء في مصر باتت مسألة أمن قومي للشعب المصري, موضحا: فلو انهارت فسنعي الفرصة للشركات الأجنبية للتحكم في المواطن. ويضيف أن أهم الحلول لمواجهة تلك الأزمة هي أن يكون هناك تكاتف من قبل جميع الجهات مع بعضها البعض, لأن الهدف واحد, مطالبا بضرورة الاهتمام بصناعة الفاكسينا, خاصة أنه توجد حاليا أزمة شديدة لصناعتها. وقالت الدكتورة هالة عدلي ان هناك مشاكل أكبر من مشكلة تسعير الدواء أهمها مشكلة التسجيل الالكتروني بالاضافة الي عدم وجود هيئة اف. دي. ايه وهي هيئة مستقلة بنفسها ولا تتبع أي وزارة علي الرغم من أن مصر أول دولة عربية انتجت الدواء, فهل يعقل أن مصر لا تمتلك اف. دي. ايه التي تقي مصر أشياء كثيرة مثل الابقاء علي قوانين ثابتة لا تتغير طبقا لأهواء الوزير التالي. كما تفتقر مصر أيضا الي وضع سياسة دوائية صحيحة ولابد من رصد خطة استراتيجية لتطوير صناعة الدواء علي مدي ال20 عاما المقبلة. وقال الدكتور أحمد جزارين, رئيس شركة فارما, إن أصحاب شركات الأدوية يعترضون علي قرار التسعير, بوصفه هادما لصناعة الدواء, مشيرا الي انه لو انهارت هذه الصناعة سنحتاج الي عشرات السنين لاعادة احيائها وبالتالي المريض هو أول من سيدفع الثمن لانه حتي في حالة توافر الدواء سوف يحصل عليه بأسعار مرتفعة. وقال الدكتور أحمد إن التدني في سعر الدواء يدفع الي تهريبه الي الخارج, مشيرا الي ان مصر باتت لا تمتلك مراكز أشعة حتي في المستشفيات, وأن الذي يحدث حاليا في شركات قطاع الأعمال ماهو إلا إهدار للمال العام, مضيفا اننا نعيش في مرحلة تسييس, فالحكومة تسعر الدواء فقط لاسترضاء المواطنين لتحقيق الضمانات الأساسية له حتي يجد دواء بسعر مناسب بغض النظر عن ضمانات تصنيع الدواء نفسه, والأمر الآخر أننا أصبحنا نعيش في حالة من الانفصام المجتمعي بين صانع القرار وبين من يعنيهم القرار نفسه من ناحية, وبين الجهات البحثية والشركات التي تنتج ما يتوصل إليه الباحثون. وقال عادل عبدالمقصود رئيس مجلس إدارة شعبة الصيدليات إن استراتيجية الدواء في مصر تسير بطريقة خاطئة تماما من حيث التنظيم والأسعار والاستيراد والتصدير, والدواء هو المنتج الوحيد في مصر الذي لم يتحرك سعره منذ15 عاما, وذلك وسط موجة ارتفاعات في جميع أسعار المنتجات الأخري, فعلبة الدواء التي كان سعرها10 جنيهات, أصبح سعرها الآن10 جنيهات و10 قروش, كما توجد في الصيدليات منتجات لا يزيد سعرها علي40 قرشا و80 قرشا, أي بثمن عبوة البسكويت التي يتناولها الطفل. ويشير الي أن المواطنين يطالبون باقرار سعرين لمنتج لبن الأطفال بالصيدليات أحدهما مدعم والآخر, تحر, مثلما يحدث مع رغيف الخبز. ويضيف أنه لا توجد في مصر صناعة دواء علي الاطلاق, لأن كل المواد الخام نستوردها من الخارج, كما انه ليس لدينا أي خطوط انتاج, علاوة علي أن صادراتنا للخارج أقل من أي دولة, إذ لا تتعدي مليار جنيه سنويا في حين أن أقل دولة تزيد صادراتها علي الملياري دولار. شارك فيها:د. محمد منصور ومحمود عبدالكريم ومحمود الشندويلي وعزت العفيفي أعدها للنشر:أحمد ياسين واسماعيل النويشي وكريم المصري رابط دائم :