في حوار مع أحد أعمدة الاقتصاد عن الوضع السياسي الحالي تطرقنا للفرق بين النقد والنصيحة, وكيف أن النصيحة لا تحتمل إلا جانبا موجبا نحتاجه اليوم في إطار تفاعلنا مع الوضع الداخلي. لم تمض ساعات إلا وكان في رئاسته لندوة عن قرض صندوق النقد تطبيق لهذا المبدأ. كانت الندوة بحق إضافة علمية غطت العديد من جوانب القضية الشرعية والاقتصادية والسياسية, وخلصت منها إلي تأكيد أن لكل قضية ثمن, وأن ثمن القرض أعلي من أن يتحمله جيلنا والأجيال المقبلة. قضية القرض فتحت علي الساحة الأبواب علي مصراعيها بالحق والباطل للتثبت من مصداقية الطرح العقائدي والاقتصادي والسياسي فيجب أن يسبق الاقتراض العديد من الآليات لمعالجة الوضع المالي والاقتصادي للدولة, ولا يخفي علي أحد ما للاقتراض من فوائد ومضار, وإن كانت المؤشرات الاقتصادية تشير إلي أن أنجع وسيلة للتنمية هي الاعتماد علي الذات بدون الاقتراض, خاصة من آليات العولمة, ومنها صندوق النقد والبنك الدوليين, علما بأن لصندوق النقد شروطا لتعرية الاقتصاد المصري, ووضع قائمة إصلاحات ليضمن سداد القرض! ولا يخفي علي أحد أن معالجة قضية الاقتراض بفائدة1.1%, وإن كانت ضعيفة إلا أنها تظل فائدة ولا مجال للحديث عن أنها رسوم, فهذا الكلام المتهافت خلط في المفاهيم, ومن قبيل تسمية فوائد البنوك بالمرابحة للأسف! القضية أكبر من أن ينظر لها في سياق منفصل عن التنمية, فهل نحن بصدد تنمية محلية أم أننا ننتوي أن نكون سوقا من أسواق التجارة العالمية؟ قضية التنمية أكبر من أن تختزل في قرض مقداره خمس قيمة عجز الموازنة العامة دون أن نتطرق إلي رؤية الحكومة بشأن سداد أربعة أخماس العجز, حيث إننا بسداد الجزء الأكبر لن نكون في احتياج للقرض أصلا, وللأسف لا يطال الحديث هذا الأمر دون إبداء الأسباب! وفي المشهد العديد من الاختلالات التي يجب أن يطالها الحسم, فعلينا ترشيد إصدار أذون وسندات الخزانة التي يتضاعف معها عجز الموازنة وإعادة النظر في اختلاف سعر الفائدة عامة ومعالجة التفاوت الكبير بين سعر الفائدة علي الودائع بالجنيه المصري وبالدولار الذي يصل لأكثر من خمسة أضعاف؟ ولنعرج علي قضية الدعم التي تلوكها الألسن لنتبين أن نحو ثلاثة أرباعه الذي يبلغ نحو تسعين مليار جنيه دعم للطاقة, وهو تدليس علمي علي العامة درجت عليه حكومات العهد السابق, ولايزال مستمرا في معرض الحديث عن عجز الموازنة, فالرقم رقم وهمي حيث إن الطاقة منتجة في مصر, والرقم ناتج من الفرق بين سعر بيعه خارجيا( وهو أمر افتراضي) وسعر بيعه داخليا للمواطن صاحب البلد( وهو أمر حقيقي). القضية تطال الاستثمارات الأجنبية الملوثة للبيئة الكثيفة الاستهلاك للطاقة, وهو أمر لا يتحدث عنه دون سبب معلن! والحقيقة أن حديثي هذا لم يعجب ممثل أحد الأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية فاعترض علي كلمة التدليس حاليا برغم قبوله لها بالنسبة للحكومات السابقة في ازدواجية مقيتة, ودون إبداء الأسباب, وهو ما جعل مفارقة أمير الشعراء أحمد شوقي تقفز إلي ذهني: أحرام علي بلابه الدوح حلال للطير من كل جنس. في إطار الحلول الجذرية للوضع الحالي فلنبدأ بحل جذور المشكلات مثل القدوة وإشكالية الدخل والراتب والحد الأقصي للأجور للجميع الذي جذر قانونه تقسيم الدولة لقطاعات بصورة غير عادلة وغيرها وغيرها! ولنتذكر قول صفي الدين الحلي منذ حوالي سبعة قرون: سلي الرماح العوالي عن معالينا.. واستشهدي البيض هل خاب الرجا فينا, لما سعينا فما رقت عزائمنا.. عما نروم ولا خابت مساعينا. فهل لنا من سعي حقيقي حاسم وحازم؟ أستاذ هندسة الحاسبات كلية الهندسة جامعة الأزهر [email protected]