العبادات حق لله علي الإنسان مقابل نعمه التي لا تعد ولا تحصي, والله عظيم ليس في حاجة إلي طاعتنا, فيعفو ويصفح عن حقه, أما في المعاملات فهي حق العباد علي العباد, والله لا يصفح فيها ولا يعفو عن الظالم إلا إذا سامحه المظلوم أو عفا عنه أو استعاد حقه منه. ومن هنا نجد أن هناك رباطا وثيقا بين العبادات والمعاملات في الإسلام, فالعبادات في الإسلام تتحول إلي معاملات قال تعالي:( إن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت:45 أي أن العبادة وهي الصلاة تحولت إلي معاملة بين الناس, فالمفروض أن الإنسان الذي يصلي يعامل الأخر بأدب واحترام ويحافظ علي حقوق الأخرين ولا يظلمهم, أما اذا حدث العكس بطلت صلاته ولن تقبل, لأن الصلاة المفروض فيها أن تتحول إلي عمل وواقع ملموس من خلال المعاملة الطيبة علي أرض الواقع, وهكذا في كل أركان الإسلام الأخري. وفي ذات السياق يتحول العمل إلي عبادة وطاعة لله سبحانه وتعالي, قال تعالي:( وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون) التوبة:105, وهذا معناه أن العمل في الإسلام يجب أن يؤدي علي أكمل وجه, مما يصب في خانة العلم والمعرفة والتقدم والازدهار. وبالتالي فإن خسارة الشخص لعبادته تأتي من سوء معاملاته, وخسارة الشخص لمعاملاته تأتي من سوء عبادته, لانه لو كان يؤدي عبادته وطاعته لله باتقان, لفعل نفس الشيء في معاملاته التي يجب أن يؤديها باتقان, فيحدث التجانس بين العبادة والمعاملة, وهذا هو المطلوب, وعكس ذلك يؤدي إلي شر مستطير وفشل ذريع, ويفتح باب الشر علي مصراعيه, وهو ما نعاني منه الان في حياتنا اليومية. ومن هنا نلاحظ أنه لا يمكن فصل العبادة عن المعاملة بعضها عن البعض في الإسلام, فكلاهما مربوط بالأخر برباط وثيق, كالروح والجسد, فإذا تم الفصل بينهما ماتت الأمة, وعاشت في عوز وفقر وشظف من العيش, وكأنها ليست موجودة, كما هو حالها الان, كما تنفصل الروح عن الجسد, فيفقد الإنسان حياته, ويتحول جسده إلي جثة هامدة وتراب. ولذلك نجد أن فقر الأمة الإسلامية وضياعها الذي تعيش فيه الان يعود بالدرجة الأولي, إلي وجود إنفصام وانفصال, وعدم وجود وفاق واتفاق بين العبادات والمعاملات, إلا من خلال تمثيلية يؤديها كل من لم يصل الإسلام إلي قلبه وعقله, بشكل يدعي فيه أنه مسلم, حتي ولو كان من العلماء الأعلام, مع ان الإسلام هو دين العلم والمعرفة والتقدم والازدهار, وصناعة الحضارات, ودين الكمال. وللحديث بقية مفكر إسلامي.. وأستاذ بطب الأزهر