كعادته دائما, ينتصر مهرجان مونتريال السينمائي الدولي, الذي يختتم4 سبتمبر المقبل, للدراما القوية واللغة السينمائية الراقية في اختياراته للأفلام بجميع أقسامه, ويرفع شعار الدراما قبل الإبهار في وجه كل دراويش هوليوود الذين لا يعرفون من السينما سوي الحركة والمؤثرات البصرية وقطعات المونتاج السريعة.. وينسحب ذلك علي الأفلام المصرية التي تم اختيارها للعرض في المهرجان خارج المسابقة, ومنها أسماء, للمخرج والسيناريست عمرو سلامة, والذي تبدأ عروضه الثلاثة بسينما الحي اللاتيني اليوم الخميس, علما بأنه سيعرض أيضا غدا الجمعة ويوم الاثنين المقبل. ومن الممكن أن يكون لك- مثلي- ملاحظات فنية علي أسماء, لكن من الصعب أن تختلف علي أهميته, خاصة في هذا التوقيت التاريخي الذي يخوض فيه المصريون معركة تقرير المصير, ورسم ملامح المستقبل, والذي يخوضون فيه أيضا عدة اختبارات تتعلق بمدي قدرتهم علي قبول الآخر, والأهم مدي قدرتهم علي مواجهة ومصارحة أنفسهم بأزماتهم ومشكلاتهم وعقدهم النفسية التي تراكمت عبر سنين من القهر والخوف. أسماء ليس مجرد فيلم عن امرأة مصابة بمرض انهيار المناعة المكتسبة الإيدز وتسعي للحصول علي حقها في العلاج, سواء منه أو من آلام المرارة المبرحة, بل ينطلق سلامة من هذه القصة البسيطة, التي يقول التتر بوضوح إنها قائمة علي واقعة حقيقية, ليطرح أسئلة أعمق وأشمل عن المجتمع الذي تعيش فيه هذه السيدة, بدءا بأسرتها الصغيرة ووصولا إلي الوطن الكبير.. وبدا ذلك واضحا في النهاية, حين تفرغ بطلة المأساة( هند صبري) من مواجهة كل المصريين في برنامج توك شو فضائي, لتعود إلي مجتمعها الصغير وتواجه أسرتها وجيرانها الذين تحلقوا حولها بنظرات الذهول والدهشة, فيما ارتسمت علي وجهها ابتسامة أمل من الممكن وصفها بأنها يائسة. ومن فرط وضوح رسالة الفيلم والغرض الحقيقي من صنعه, بعيدا عن قصة مريضة الإيدز, من الممكن اتهامه بأنه مباشر, حيث توجه البطلة حديثها إلي المشاهدين, خلال البرنامج الفضائي, قائلة: لو مت, فلن أموت من المرض الذي أعاني منه, بل من المرض الذي تعانون منه أنتم, في إشارة للخوف والأنانية, والهروب من مواجهة الذات, والتواطؤ الجماعي علي رفض كل آخر, ونبذ كل مختلف.. ويحفل الفيلم بالإشارات إلي هذه الأمراض المجتمعية, حيث يرفض جميع الأطباء والمستشفيات إجراء عملية المرارة لها خوفا من انتقال العدوي, كما يرفض زملاؤها في العمل بقاءها وسطهم لنفس السبب مما يؤدي لفصلها. وقد أعجبني المشهد الذي تلقي لها فيه إحدي الزميلات بمبلغ من المال, تم جمعه لمساعدتها, علي الأرض خشية ملامستها.. والمعتاد- كلاسيكيا- في مثل هذه المشاهد أن ترفض البطلة قبول المال بإباء وشمم وتنصرف, إلا أن سلامة يختار ما هو أفضل, حيث تنحني أسماء لتلتقط النقود, إلا أنها تقرر أن تشتري بها كلها مسكنات من إحدي الصيدليات, في تعبير سينمائي بليغ عن أن مساعدة المجتمع الشكلية لمثل هؤلاء المصابين قد تكون مسكنا مؤقتا لآلامهم, لكنها لا تكفي لحل مشكلاتهم, ولا تعد مساندة حقيقية لهم. تأثر عمرو سلامة في بناء جزء كبير من فيلمه ببناء فيلم الأوسكار الشهير المليونير المتشرد, للمخرج داني بويل, والذي يقوم علي استعراض أجزاء من حياة البطل أثناء خوضه مسابقات النسخة الهندية من البرنامج التليفزيوني من سيربح المليون, مما يتطلب الكثير من مشاهد العودة للماضي( فلاش باك), وهو ما يحدث بالضبط في أسماء, حيث تتم العودة كثيرا لمشاهد من ماضيها أثناء استضافتها في برنامج التوك شو, بل أن الفيلم يقوم بشكل عام علي الفلاش باك.. والمشكلة أن ذلك لا يتم بالدقة المطلوبة في بعض المشاهد التي تسبق البرنامج, مما يجعل المتفرج في حيرة من أمره, يتساءل: هل ما يراه يحدث في الحاضر أم الماضي؟ وكما يستعرض المليونير المتشرد كواليس من سيربح المليون ويجعل من مذيعه شخصية أساسية تشارك في تحريك الأحداث, يحدث الشيء نفسه في أسماء, حيث ندخل كواليس البرنامج الفضائي مع مذيعه( ماجد الكدواني), الذي يتحول إلي شخصية محورية تساهم في كسر عزلة البطلة, ويكون أحد عوامل إقناعها بالظهور في البرنامج لمواجهة الناس والإعلان عن مأساتها. وبعد أن طلبت أسماء إخفاء وجهها خلال البرنامج تحت وطأة الخوف التقليدي من كلام الناس وتأثير الفضيحة علي أسرتها, تثور علي ميراث الخوف عندما تدرك أنه وصل لابنتها- التي تتصل بالبرنامج وترفض الإفصاح عن شخصية والدتها وتطلب من المذيع إضاءة وجهها, في دعوة مباشرة للخروج إلي النور ومواجهة مشكلاتنا, والتخلص إلي الأبد من النعامة الشهيرة التي تدفن رأسها في الرمال. قدم عمرو سلامة فيلما متماسكا إلي حد كبير, وإن أهمل الرسم الجيد لبعض الشخصيات, خاصة الأب الذي لا توجد مبررات درامية كافية لردود أفعاله, ولم ينقذ الشخصية سوي الأداء الجيد للممثل سيد رجب.. وهناك شخصيات زملاء البطلة في الجمعية الأهلية التي تساعدهم علي تقبل المرض والتعايش معه, والذين يبدون جميعا وكأنهم قطعوا من أشجار, من دون أي عمق أو أبعاد إضافية.. كما عاب الفيلم اللجوء إلي دراما المصادفة في العديد من المواقف, مثل اكتشاف البطلة علاقة ابنتها الغرامية بأحد الشباب أثناء سيرها في الشارع.