بغض النظر عن نتائج وثمار الزيارة المرتقبة التي يقوم بها الرئيس د. محمد مرسي إلي إيران للمشاركة في قمة عدم الانحياز(30 31) أغسطس الحالي, فإن مجرد زيارة الرئيس إلي إيران في حد ذاته خطوة سيكون لها ما بعدها, خاصة بعد هذا الجفاء الطويل, الذي ساد علاقات البلدين علي مدي ثلاثين عاما بعد أن قطعت في عام.1979 ولايخفي علي أحد دور الرئيس المخلوع اللامبارك في تنفيذ توجهات وتعليمات أمريكا والغرب, وعدم مراعاة الصالح الوطني والمصالح الإقليمية في علاقات مصر بإيران, فقد كان وجوده وانصياعه للرغبة الأمريكية علي طول الخط أثره الكبير في وأد أي محاولة لتحسين العلاقات المصرية الإيرانية. ولابد أن يكون وصول الإسلاميين إلي سدة الحكم في مصر قد فتح طاقة نور جديدة في محاولات تحسين هذه العلاقة,خاصة وأن الرئيس محمد مرسي يؤمن بعلاقات خارجية متوازنة تراعي المصالح المصرية والإقليمية مع كافة القوي الفاعلة في المنطقة, ومنها بالطبع إيران. ولقد لقيت موافقة الرئيس محمد مرسي علي زيارة طهران ترحيبا واسعا في إيران علي مختلف الأصعدة, سواء الدبلوماسية أو لدي الإعلام الإيراني الذي لم يكن يتوقع قبول مرسي الدعوة, خاصة بعد الأخبار التي ترددت بشأن ضغوط يتعرض لها الرئيس من قبل الغرب ودول الخليج لرفض الدعوة المقدمة له من جانب طهران. وفي هذا الصدد قالت صحيفة شرق الإيرانية الإصلاحية في تقريرها تحت عنوان مرسي في الطريق إلي طهران: إن ضيوف قمة عدم الانحياز شيء والضيف الخاص( الرئيس مرسي) شيء آخر. وأضافت: أن مرسي يتمتع بمكانة ومرتبة عالية لدي الجمهورية الإسلامية مقارنة بالآخرين. مضيفة أنه في النهاية تغلب علي تردده وسيأتي إلي طهران, وسيسلم إيران رئاسة الحركة. مع أن الطريق من إيران إلي مصر ماتزال طويلة وغير معبدة, والمسافة كبيرة بين البلدين, وكذلك التبادلات والعلاقات الثنائية, حتي الثورة المصرية لم تستطع أن تقلل هذه المسافة,ولم تسد هذه الفجوة, كذلك اللقاءات والدعوات التي أرسلها المسئولون الإيرانيون, حتي بعد تغيير الحكم وصعود الإسلاميين وحصول الإخوان والسلفيين علي كراسي البرلمان واختيار عضو من الإخوان لمنصب رئاسة الجمهورية, فكل هذا لم يرأب الصدع. والآن سنحت فرصة جديدة كي تزهر أغصان العلاقات مرة أخري في قمة عدم الانحياز, ورغم أنه مازال مبكرا أن نتحدث عن مكتسبات زيارة مرسي إلي طهران وإلي أي حد سيعزز علاقته بالجمهوية الإسلامية فإن المحللين يرون أن التطورات المقبلة ستعيد مصر مجددا إلي ساحة السياسة الإقليمية. ومن المؤكد أن قبول مرسي الزيارة بعد سقوط مبارك من رأس النظام يعد علامة علي استقلالية سياسة مصر الخارجية عن شعارات الدول الغربية ودول الخليج. وإن كان من المبكر جدا تقييم الآثار المترتبة علي الزيارة أو معرفة إلي أي مدي يمكن أن تطبع مصر العلاقات مع طهران, لكنها ستعيد القاهرة مرة أخري إلي الساحة السياسية الإقليمة, فالزيارة تتماشي مع المشاعر الشعبية السائدة, منذ رحيل مبارك, لصياغة سياسة خارجية مستقلة عن أجندة البلدان الغربية ودول النفط الخليجية. ومن المؤكد أن تطبيع العلاقات بين القاهرةوطهران سيكون مبنيا علي حسابات دقيقة,ومن شأن فتح تفاهم جديد مع إيران أن يمثل تغييرا جذريا للمنطقة, وأنا علي يقين أن د. محمد مرسي سيعمل بكل طاقته من أجل علاقات مصرية متوازنة مع كافة القوي والدول في المنطقة, ما دام ذلك لايتعارض مع مصالح مصر الوطنية والإقليمية ومع صالح الأمة العربية والإسلامية,والتي حاول الأمريكان والغرب طويلا زرع بذور الفتنة والشقاق بين إيران وبين دول الخليج وغيرها من دول المنطقة, لأنها تعلم تماما خطورة التصالح بين إيران وبين جاراتها في الخليج والمنطقة العربية,ولذلك تؤجج دوما نيران الصراع, ولا تريد له أن تخبو, أو أن يمد المارد الإيراني يده لتصافح القوي الخليجة والعربية الأخري, لأن أمريكا تريد أن تبقي القوي الفاعلة في المنطقة متخاصمة متنافرة, لأن في ذلك تأمينا لإسرائيل وللمصالح الأمريكيةالغربية, ومن هنا تأتي أهمية زيارة مرسي إلي إيران التي يمكن أن تعيد رسم خارطة القوي في المنطقة, إذا ما حسنت النوايا.