رأيته لأول مرة في بدايات التسعينيات من القرن الماضي, وفي تلك اللحظة شعرت أنني أعرفه منذ سنوات طويلة, فقد كان من تلك الشخصيات التي تفتح لها ذراعيك لتحتضنها بعد أن ينفتح لها قلبك. وسرعان ما يحدث هذا.. قرأت في وجهه المصري الأصيل الطيبة والصفاء والنقاء, واكتشفت من الابتسامة التي لا تفارقه كم هو بسيط ومتصالح مع نفسه. سبقه تواضعه في كل مكان, فهو لا يستحيي أن ينتفض من مكانه ليجلسك, أو يقف في طابور طويل ليقدم لك ما تأكله أو تشربه, ولا يتردد في أن يقطع مئات الكيلو مترات ليقضي لك حاجة دون أن ينتظر المقابل أو حتي كلمة شكر.. هو باختصار- أحب الناس فأحبوه. كنت إذا ذهبت إلي ملعب للكبار أو الصغار لكرة القدم أو غيرها من الإسماعيلية إلي المحلة الكبري أو طنطا أوالمنصورة أو دمياط أو بورسعيد أراه ضاحكا, متفائلا, ساعيا وراء الخبر والتقرير والحوار حتي أطلق عليه زملاؤه لقب الديب. عيد السويركي مات دون أن يحقق حلمه في أن يكون له مكان في سجلات صاحبة الجلالة, وإن كان حفر لنفسه اسما لن تنساه الأجيال المقبلة.. كان فقط يريد أن يعيش, ليس مهما أين ولا بكم, لأنه لم يكن يريد أكثر من الحياة.. ولكن ضنت عليه الدنيا, ومات فقيرا, منسيا كما عاش فقيرا, منسيا. لم أره منذ سنوات, ولكن لم تنقطع الاتصالات إلا بعد أن شاءت الأقدار أن يفقد بصره فيعيش في ظلام أقل قسوة من ظلام المهنة التي أعطاها فبخلت عليه, فقد كنت لا أستطيع تحمل صوته حزينا, ولكن لم تمر مناسبة إلا وقرأت منه رسالة قصيرة كنت أسعد الناس بها.. وقبل ساعات من شهر رمضان وجدت رقمه علي تليفوني, وسمعت صوته, وفرحت أنه مازال علي عهده يحب الدنيا, وإن لم يعد يراها بعد أن تلاشي نور عينيه, ولكن سعادتي انقلبت إلي حزن وهم ثقيل عندما جاءني صوت زميلنا خالد لطفي ليقول لي وهو يبكي إن عيد السويركي مات.. تسمرت قدماي, وعجزت عن القيام من مقعدي, ولكن الرحيل كان مقدرا في تلك الساعة, فوداعا يا من عرفت به الصحافة الإقليمية. [email protected]