دقت الساعة الرابعة صباحا.. مازالت رائحة الحنق وضيق الصدر والإنفعالات الواضحة علي ملامح الجميع لم تغادر الوجوه. مازالت الطلقات الاخبارية تصاحبنا الطريق لتتحدث عن أرقام الوفيات وأعداد الجرحي وتصريحات الرئيس ووعوده وحديث الأمن والشد والجذب والخد وهات. الوجع والألم والحزن والشجن والمرارة.. نصحبهم معنا الي هناك, الي سيناء. تشق سيارتنا طريق الاسماعيلية ممتطية كوبري السلام, وها هي لفحة الهواء الساخنة تتحول الي نسمة باردة ولكن البرودة التي تستقبلها أرض سيناء المقدسة هذه المرة ليست كسابقاتها من المرات. انها برودة تصيب جسدك بالقشعريرة, تستطيع أن تشم رائحة الدماء من بعيد ليحلق الموت الغادر حولك, لاتري سوي الجنود وهم يبتسمون ويجتمعون معا بعد ان انهي احدهم حديثه لخطيبته وأخر لزوجته وأطفاله وأخير طمأن أمه علي أنه سيكسر صيامه الآن بتمرة وسط أصدقائه في الدفعة. ولكن وقبل ان يمد يده الطاهرة الي كوب ماء ليرتوي برشفة ماء تغسل يوم طويلا من الصبر والصيام والتأمين كالأسد, إلا أن أصوات الأربي جي والرشاشات كسرت هذه اللوحة الصيامية لتفتت جسده وتستقر بعضها في جمجمته التي لم تفارقها صورة ابناءه وزوجته وأمه. انها مأساة تمتد لتحاصر الجميع, سرعان ما أفقنا وقد بدأت سيارتنا تدخل مجال مدينة الشيخ زويد وبعد بعض من التفتيش أمام اللجان التي لا تتناسب أبدا مع الحدث الجسيم إلا وكان في استقبالنا الشابين مصطفي الأطرش وأحمد عيطة من ابناء المدينة. والحق لم يطيقوا صبرا للسلام, فبدأو الحديث مباشرة عما حدث وقابلونا بشهود العيان ليبدأ صلاح عايش_ احد السكان القريبين من موقع الحادث_ حديثه قائلا: رأيت بين ال15 جثة جنديا مازالت ملعقة الأرز التي كسر بها صيامه في فمه, وأطباق الطعام وقطع اللحم المطبوخ غارقين في دماء الجنود وقطع لحمهم المتناثرة. ما رأيته وسمعته مع الجميع كان صارخا عاليا والحديث مازال علي لسان صلاح وأعتقد أنه كان صادرا من جندي المدرعة الذي بدا أنه مخطوفا أو مجبرا علي قيادتها بعد أن اصابه الإرهابيون وكان صوت الضرب المبرح الذي يتلقاه واضحا ويرج أركان المدرعة المعدنية, ولكن آخر ما رأيناه هو رجل أخرج رأسه من فوهة المدرعة وصاح ببعض العبارات ختمها بالله أكبر. ويضيف صلاح حاولنا تفسير تلك اللهجة ولم نستطع لأنه لم يكن يتحدث اللهجة البدوية. هنا قاطع حديثنا مصطفي الأطرش قائلا: اسمحوا لي ان اعبر عن وجهة نظر خاصة بي وهي أنني لا استبعد تورط اسرائيل في هذه العملية لأنها المستفيد الوحيد من وقوع مثل هذا الحادث الأليم علي أرض سيناء, أولا لكي تفسد العلاقة بيننا وبين الفلسطينيين وتحديدا بين الأخوان وغزة, وثانيا وهو الأهم أن تثبت وبجدارة أن سيناء لا يوجد فيها أمن وأن المصريين إذا كانوا لا يستطيعون أن يؤمنوا حدودهم فهناك أطراف أخري تستطيع القيام بذلك. وهنا اتوجه بسؤال للسيد رئيس الجمهورية الذي اعطيته صوتي وأسأله عن اتفاقية كامب دايفيد التي وضعت علي أرض صلبة ولم تضع الانسان في حسبانها ماذا أنت بفاعل يا سيادة الرئيس؟, بأي حق تستطيع اسرائيل أن تضع اسلحة ودبابات وطائرات وجيش في المنطقة د التي تخصها ونحن لا نستطيع ان نضع جنديا واحد من القوات المسلحة في المنطقة ج. أين سيناء يا إخواننا ؟؟!, أين سيناء من مشروعات مصر؟, عندما يرتفع الاقتصاد لدي المواطن السيناوي سينهض الاقتصاد في مصر والحديث علي لسان الأخرس ولكن للأسف الموجود علي أرض الواقع هو حياكات قذروة تتواطأ فيها أجهزة بعينها. أحمد عيطة أحد شهود العيان أيضا قال لو عدنا بذاكرتنا الي تفجيرات دهب سنتذكر أن اسرائيل حذرت رعاياها من الوجود في سيناء قبل الأحداث ب15 يوما, واليوم نجد أن السيناريو يتكرر يا سادة ولكن مع الاختلاف فإسرائيل حذرت رعاياها من التواجد في سيناء قبل الأحداث الأخيرة بيومين فقط وأنا أريد أن يفسر لي أحدهم هذا الكلام, ثم أن الحادث الأخير قد سبقه مقتل جنديين من القوات المسلحة منذ ما يقرب من20 يوما وكأنه كان تمهيد أو بروفة لما سيحدث. وأريد أيضا تفسيرا لمدي الجاهزية التي بدت عليها القوات الاسرائيلية للهجوم الذي قامت به تلك العناصر فطائرتهم لم تنتظر أكثر من60 ثانية حتي بدأت في قصف المدرعة التي سرقها هؤلاء الارهابيون, من المضرور ومن المخدوم إذا؟! أنا إبن سيناء مضرور, والفلسطيني الذي اغلق المعبر في وجهه لأجل غير مسمي وأغلقت أيضا الأنفاق أصبح مضرورا بل ومحبوسا, إذا المخدود الوحيد هو اسرائيل. كل ما اتمناه هو أن تتعامل الأجهزة الأمنية بشكل محترم ولو لمرة واحدة في حق سيناء التي هي في الاساس أمن مصر القومي. مصطفي الأطرش ختم حديثه قائلا: أؤكد علي أن اتفاقية كامب دايفيد لا تحمي الإنسان المصري بل وتسببت في تأخير مصر وتكبيلها لسنوات طويلة. المنطقة ج المنزوعة السلاح وفق هذه الاتفاقية والحديث علي لسان مصطفي والتي ادعي مبارك الفاسد وأعوانه أنها غير صالحة للزراعة وأنه لا يوجد بها نقطة مياه واحدة هي في الحقيقة من أخصب الأراضي ويمكن حفر أبار بها ولكن عندما تقرر أن تحفر بئر تفاجأ أن المطلوب منك كمواطن سيناوي يريد زراعة أرضه هو أن تدفع رشوة50 ألف جنيه. بالذمة ده مش حرام ؟!! وتقولولنا البدو بيروحوا للحرام, الحقيقة أنهم مش لاقيين الحرام ولا قادرين علي الحلال. وأخيرا سيناء لا تقبل المزايدات, وإن كان هو حاكما فنحن اللذين حكمناه والخوف هو أنه ومع الضغوط وبمجرد التفكير في العودة الي التعامل مع ملف سيناء وأهاليها بطريقة تفكير مبارك والعادلي سيخسرون الكثير ويكفي أن هناك فصيلا ظهر يريدها إمارة اسلامية ويمكن أن يشكل هذا الفصيل1% من السيناوية. وأنا كمواطن سيناوي لن أقبل بتحديد المصير أو الانفصال ولكنني أيضا لن أقبل بدولة تنزعني من وطنيتي ووطني ونحن لا نريد وظيفة ولكن نريدها شراكة بين المواطن والدولة, طرق وكهرباء والمواطن عليه حفر الآبار والزراعة وتنمية اقتصاد الفرد وبهذا سيكون هناك اقتصاد دولة قوي وقبل ان نطالب بالتمثيل في الدستور عليهم أن يعاملونا كمصريين من الدرجة الأولي وليس من الدرجة العاشرة. ساد الصمت لفترة وقاطعناه بسؤال أخير قبل ان ننهي جلستنا ماذا تقولون ردا علي الأصابع التي تشير اليكم أنت أهل سيناء في التورط في الأحداث الأخيرة؟. حسبي الله ونعم الوكيل.. هكذا كان ردهم الذي القوا في وجهنا مؤكدين به أن أهل سيناء لن يسمحوا بعودة المعاملة المباركية مرة أخري.